عادي

الثقافة.. قد تكون سلاحاً خطراً

19:59 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

ظلت مفردة (الثقافة) واحدة من أكثر المفردات إشكالية على صعيد المفهوم والتطبيقات، كما ظلّت الدراسات الثقافية - التي تعد حقلاً معرفياً، تتداخل فيه الأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا وتأريخ الأفكار واللغويات والفولكلور والسياسات الحكومية المؤسساتية - ميدان تجاذب، لم يخفت صدى المعارك الفكرية المحتدمة فيه، وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وحيث باتت الثقافة وسيلة من وسائل القوة الناعمة في الحرب الباردة، ثمّ انقلبت سلاحاً من أسلحة العولمة، التي تسعى لتوسيع نطاق الرأسماليات الرمزية المدعمة بمصنعات مادية، تعلي شأن الاقتصاديات المتفوقة، وترسخ سطوتها على الساحة العالمية.

في هذا الإطار يمكن قراءة ترجمة الكاتبة العراقية لطفية الدليمي لكتاب «الثقافة» المنشور عن جامعة ييل الأمريكية عام 2016 للكاتب البريطاني ذائع الصيت تيري إيجلتون، وهو ناقد ومنظر أدبي وباحث في حقل الدراسات الثقافية وسياسات الثقافة.

نشر إيجلتون العديد من الكتب، ترجم بعضها إلى العربية (ومنها مذكراته التي نشرتها دار المدى بعنوان «حارس البوابة» عام 2015)، وهنا تشير لطفية الدليمي إلى أن «الثقافة» كتاب مستقل ومتميز عن كتاب آخر نشره إيجلتون من قبل بعنوان «فكرة الثقافة» وهو مترجم إلى العربية أيضاً.

يعد هذا الكتاب بحثاً تأريخياً- سوسيولوجياً - أنثروبولوجياً مركباً في مفهوم الثقافة، وهو مكتوب بطريقة إيجلتون المميزة، التي يركز فيها على ثيمات محددة في سياق الموضوعة الكبرى، التي يتناولها، ومعروف عنه نفوره من الصلابة الأكاديمية السائدة وميله لاعتماد العبارات القصيرة المتلاحقة التي هي أقرب إلى تأكيد لموضوعات راسخة.

  • سؤال

تحت عنوان: ما الثقافة بالضبط؟ تترجم الدليمي حواراً مع تيري إيجلتون، وترى أن انتقادات الناقد الكبير للثقافة المعاصرة، قد تكون لاذعة أحياناً؛ لكنها ليست أبداً ساخرة أو باعثة على تشويش القارئ، إذ يكتب في مكان آخر غير كتابه هذا: «الثقافة يمكن أن تكون نموذجاً للكيفية التي نعيش بها، أو شكلاً من هيكلة الذات أو تحقيق الذات، أو ثمرة زمرة من أشكال الحياة المعيشة لجماعة كبرى من الناس، وقد تكون الثقافة نقداً للحاضر أو صورة للمستقبل».

سئل إيجلتون: ذكرت في كتابك أن الثقافة إذا كانت أمراً يسمح لنا بالنماء والازدهار فهي أيضاً أمر يجعل بعض النساء أو الرجال مدربين على قتل سواهم» هذه الأفكار، بالطبع، لها رنينها الخاص في أيامنا هذه، وبخاصة إذا ما وضعنا في حسباننا الهجمات الإرهابية الأخيرة في بروكسل، باريس، أورلاندو، نيس إلخ.

يقول: أؤكد هنا مرة أخرى أنه أمر نادر أن يجري التأكيد على الجوانب السلبية للثقافة، يمكن أن تكون الثقافة أمراً أشد خطورة بكثير مما نعتقد، وهي أشدّ خطورة مما يدرك الناس؛ ومع ذلك لم يزل ثمة من يفكر في الثقافة بمفردات تخص باخ وبيتهوفن فحسب.

ويرى أن الإرهاب ظاهرة سياسية؛ لكنها تتقنع بقناع ثقافي أو ديني، وهي جزء من ضمور النسق الثقافي، وفي العادة يقدح شرارتها أناس من خارج ذلك النسق؛ «لكني أقول إن ظاهرة الإرهاب متجذرة عند البعض بسبب مفاعيل القلق وليس الكراهية».

القلق بالطبع يمكن أن يفضي إلى الكراهية، وهو الأمر الذي يحصل في ظاهرة الإرهاب، التي هي في نهاية المطاف أيديولوجيا قاتلة، يتبناها هؤلاء الذين يتملكهم شعور طاغ بأن الركب قد سبقهم، وتخلى عنهم، وجعلهم سقط متاع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/54m2f4h9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"