الإجهاد الحراري في أوروبا

21:58 مساء
قراءة 4 دقائق

كان عام 2022 جرس إنذار لقارة أوروبا التي واجهت أحد أخطر آثار التغير المناخي في المنطقة، ألا وهو «الإجهاد الحراري». وكانت درجات الحرارة المرتفعة خلال الصيف الماضي على وجه الخصوص، مثالاً صارخاً على الأحداث المتطرفة التي وبحسب توقعات المناخ، ستصبح أكثر تواتراً بغض النظر عن مسار الانبعاثات الذي تتبعه الدول.

ووفقاً لتقرير «حالة المناخ» الأوروبي الأخير، الصادر عن «خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ»، إحدى الخدمات الست لبرنامج «كوبرنيكوس لمراقبة الأرض» التابع للاتحاد الأوروبي، كان صيف 2022 الأكثر دفئاً على الإطلاق في أوروبا منذ عام 1950، وبهامش كبير قدره 1.4 درجة مئوية أعلى من متوسط أعوام 1991 وحتى 2020، وب 0.4 درجة مئوية أعلى من الصيف الحار لعام 2021.

إضافة إلى تقديم مراجعة تفصيلية للمعلومات المناخية الرئيسية حول أوروبا والعالم، يركز تقرير حالة المناخ كل عام على العديد من النقاط البارزة. وبالنسبة لعام 2022، كانت الحرارة الشديدة، والجفاف الكبير في أوروبا في دائرة الضوء.

وعلى الرغم من الأسابيع المرهقة والظروف الخطرة على صحة الإنسان التي مرت بها أوروبا عموماً الصيف الماضي، حطّمت بعض مناطق جنوب القارة الرقم القياسي لعدد الأيام التي تعاني «إجهاداً حرارياً قوياً جداً»، وذلك وفقاً لمؤشر المناخ الحراري العالمي، الذي يدرس تأثير الظروف البيئية على جسم الإنسان.

واستناداً إلى المؤشر ذاته، شهدت الغالبية العظمى من أوروبا الغربية بعض الأيام، خلال أشهر يونيو ويوليو وأغسطس عام 2022، التي تراوحت فيها درجات الحرارة بين 38 و46 درجة مئوية، وصُنفت على أنها «إجهاد حراري قوي للغاية». واستمر هذا الإجهاد لأكثر من 50 يوماً في بعض المناطق الجنوبية لإيطاليا وفرنسا وشبه الجزيرة الإيبيرية. عملياً، شهدت كل أوروبا الغربية، باستثناء المناطق الواقعة في أقصى الشمال، أكثر من 20 يوماً من الإجهاد الحراري القوي خلال نفس الفترة.

وكشف التحليل أيضاً عن اتجاه متزايد في عدد الأيام التي يكون فيها الإجهاد الحراري «قوياً» أو «قوياً جداً»، مع انخفاض عدد الأيام الخالية منه. وبينما مثل هذا فصل الصيف فقط، إلا أن أشهر مارس ومايو وأكتوبر وديسمبر من العام الماضي شهدت أيضاً عدة أيام من درجات الحرارة الدافئة بشكل غير عادي.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يمكن أن يرافق التعرض لمثل هذه المستويات من الإجهاد الحراري آثاراً فورية على صحة الإنسان. وتعد ضربة الشمس الأبرز بين مجموعة واسعة من التأثيرات الفيزيولوجية للحرارة الزائدة. وتشير التقديرات إلى وجود ما بين 16 ألفاً و20 ألف حالة وفاة مرتبطة بموجات الحرارة الشديدة في أوروبا عام 2022.

ومع وجود ما يقرب من ثلاثة أرباع سكان أوروبا، ونصف مواطني العالم، في مناطق حضرية، أصبحت مراقبة درجات الحرارة والضغط الحراري من أولويات الصحة العامة. وفي تقرير «حالة المناخ» الأوروبي الأخير، قدّر الفريق الحكومي الدولي أن المدن يمكن أن تتعرض لضِعف مستويات الإجهاد الحراري، مقارنة بمحيطها الريفي بحلول عام 2050. ويمضي التقرير ليقول: «يمكن أن يتعرض ما بين نصف إلى ثلاثة أرباع البشر لفترات من الظروف المناخية التي تهدد حياتهم والناجمة عن الآثار المزدوجة للحرارة والرطوبة الشديدتين بحلول عام 2100». وبهذا الصدد، يُفند التقرير كيف أن عدم المساواة والتنمية الحضرية غير المخططة أو غير الرسمية هي الأكثر عرضة للإجهاد الحراري.

ووفقاً لعلماء المناخ، ورغم أن البيانات المرصودة لم تكن مفاجأة، وتتماشى تماماً مع توقعاتهم المناخية، إلا أن مستويات الحرارة الشديدة التي سُجلت في أوروبا العام الماضي مقلقة وتحتاج إلى تفعيل إجراءات تكيف وتخفيف سريعة وفعالة ومكثفة، بالتوازي مع انخفاض حاد في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ترصد «خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ» عن كثب الإجهاد الحراري في المناطق الحضرية من خلال مجموعة بيانات مؤشر المناخ الحراري العالمي، ومجموعة بيانات المناخ الحضري، وهي مجموعة شاملة تستخدم بالشراكة مع وكالة البيئة الأوروبية، وتتضمن بيانات درجة حرارة الهواء والرطوبة وسرعة الرياح ل 100 مدينة في أوروبا، وتعرض التوقعات المناخية لمؤشرات مثل الليالي الاستوائية عند مستوى سطح البحر، أو الملاءمة المناخية لبعوض النمر بالتوازي مع هطول الأمطار السنوي. كما تشير التوقعات المستقبلية بوضوح إلى أن أوروبا، وخاصة حوض البحر الأبيض المتوسط، يجب أن تتكيف على العيش لفترات طويلة من الإجهاد الحراري الشديد.

في المقابل، تم التصدي لموجة الحر المميتة في أوروبا عام 2003 بكفاءة عالية من خلال تحسين المعلومات المناخية والإنذارات المبكرة والتعاون الدولي آنذاك. ما أدى،

وما زال، إلى استقرار، وفي بعض الحالات، خفض معدل الوفيات على الرغم من زيادة مخاطر الحرارة. لكن ومع ذلك، هناك المزيد مما يجب القيام به لإبقاء هذا الخطر تحت السيطرة.

إضافة إلى الدعوات المتواصلة إلى زيادة الجهود من أجل خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أصدر أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ توصيات محددة بشأن الإجهاد الحراري، مثل إعادة التفكير في البيئات الحضرية، وتحسين البنية التحتية الاجتماعية والمادية، أو من خلال الحلول القائمة على الطبيعة مثل التخضير الحضري، وكلها إجراءات تعتمد عليها الحياة لتستمر.

* «يورو آكتيف» نقلاً عن تقرير «كوبرنيكوس» لتغير المناخ

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4hvjhvbp

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"