أربعة أيام و32 ساعة

21:48 مساء
قراءة 4 دقائق

جولييت شور*

في عام 1940، عدل الكونغرس الأمريكي قانون معايير العمل العادل ليقلص أسبوع العمل القياسي إلى 40 ساعة، وما يزيد يعتبر مؤهلاً لأن يكون عملاً إضافياً.

وعلى الرغم من زيادة الإنتاجية بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ ذلك الحين، ظل قانون ال 40 ساعة في الأسبوع دون تغيير لمدة 83 عاماً. لكن المتغيرات الحاصلة قد تبدل الوضع قريباً نحو ولادة أسبوع عمل من أربعة أيام و32 ساعة فقط قبل نهاية عام 2023.

لوحظ على مدار الأشهر القليلة الأولى من العام الجاري ازدياد عمليات البحث في «جوجل» عن معلومات حول الأسبوع المكون من أربعة أيام بمقدار خمسة أضعاف. وأنتجت وسائل الإعلام مئات القصص عن الشركات التي تقدم جداول زمنية مدتها 32 ساعة. ومنذ مدة، تدرس كاليفورنيا وولايات أخرى مشروع قانون يجيز العمل لمدة أربعة أيام في الأسبوع.

أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد حولت الحكومة بالفعل دوام موظفيها في القطاع العام إلى جدول مدته أربعة أيام ونصف اليوم أسبوعياً. وفي أوروبا، نفذت الحكومات الوطنية والإقليمية برامج عمل تجريبية مدتها أربعة أيام في الأسبوع. كما كشفت أكبر تجربة في العالم للعمل أربعة أيام في الأسبوع بدون تخفيض في الأجور، شملت حوالي 60 منظمة في بريطانيا عبر مجموعة من القطاعات من العلاقات العامة إلى الرعاية الصحية إلى التصنيع، عن نتائج إيجابية مذهلة لكل من الموظفين والشركات التي استخدمت الجدول الزمني الجديد.

والسؤال المطروح هنا، لماذا يتم تخفيض ساعات العمل فجأة على جدول الأعمال بعد سنوات من عدم أخذ القضية على محمل الجد؟ لربما كانت الجائحة أهم محرك للتسارع الحاصل في الأحداث. وقد أوضح الدكتور آدم حسني، الرئيس التنفيذي لشركة المعلومات الصحية «هيلث وايز»، أنه بمجرد أن أدركنا أنه يمكننا الوثوق بموظفينا في مكان عملهم أثناء ذروة فيروس «كورونا»، أدركنا أيضاً أنه يمكننا الوثوق بهم بشأن مقدار الوقت الذي يعملون فيه».

قبل الوباء، كان هناك الكثير من الحديث عن الدفع للموظفين لقاء إنتاجيتهم عوضاً عن ساعات عملهم. وهذا أمر قد يكون أكثر منطقية لو كان الأشخاص يعملون خارج الموقع، على الأقل بالنسبة للموظفين الذين لا يخضعون لإجراءات المراقبة الصارمة.

وفي حين كان من الصعب على الموظف الموازنة بين عمله المكتبي وحياته الأسرية قبل الجائحة، أدت العدوى نفسها ومضاعفات دمج العمل بالواقع المعيشي إلى مستويات قياسية من التوتر. وكانت مؤسسات الرعاية الصحية من أكثر القطاعات المهتمة بتطبيق أسبوع العمل لأربعة، في وقت أصبح فيه الإرهاق والاستقالات بين الممرضات شائعاً.

كما وجدت دراسة حديثة من «فيوتشر فوريوم»، استناداً إلى استطلاع تم عام 2022، أن 42% من الموظفين في الولايات المتحدة وخمس دول أخرى قالوا إنهم تعرضوا للإرهاق، بزيادة قدرها 4 نقاط مئوية فقط، قياساً إلى مستويات عام 2020.

في السياق ذاته، يعتبر ملف زيادة أجور الموظفين بدلاً من خفض ساعات الدوام غير مجدٍ بالضرورة، ولا يتوافق مع جميع حالات العمل دوماً، ومعظم المؤسسات لا تستطيع تحمل تكاليفه. لذلك وكبادرة تجريبية، خفّضت العديد من المنظمات الحكومية والخاصة بالفعل جداول عمل فترات الصيف عن طريق تقصير ساعات دوام يوم الجمعة أو إلغائها كلياً.

ويشير بحث آخر في كلية بوسطن إلى أن الأسبوع المكون من أربعة أيام (أو 32 ساعة) ليس قابلاً للتطبيق وحسب؛ بل هو أفضل للعمال وأصحاب العمل. وبالتعاون مع منظمة «فور داي ويك غلوبال» غير الربحية، تتبعنا ما يحدث عندما تتحول الشركات إلى الجدول الزمني المختص دون أي تخفيض في الأجور، بعد عملية استمرت شهرين لمعرفة كيفية الحفاظ على الإنتاجية والأداء، ووجدنا أن رفاهية الموظفين قد تحسّنت بشكل ملحوظ.

ومن بين أكثر من 100 شركة بها آلاف العمال حول العالم، شهد ما يقرب من 70% منهم معدلات منخفضة من القلق والإرهاق، وتحسنت الصحة الجسدية والعقلية للموظفين، وباتوا يمارسون الرياضة أكثر، وينامون بشكل أفضل، كما ارتفع مستوى الرضا عن حياتهم عموماً، وخفت حدة الصراعات التي كانوا يواجهونها للتنظيم بين العمل والأسرة والحياة.

لكن ليس العمال فقط هم من استفادوا. فعلى مقياس مكون من 10 نقاط، صنفت الشركات نجاح تلك التجارب بدرجة فاقت ال 8.5، وربما يكون المقياس الأكثر إقناعاً هو أن معظمهم اختاروا الاستمرار في الجدول الزمني الأقصر. وعدد قليل فقط من المؤسسات التي شاركت في التجارب عادت إلى أسبوع الخمسة أيام.

سيستمر الكثير في معارضة جدول العمل المختصر؛ لأنه يبدو غير أمريكي أو غير مربح. لكننا نكتشف مع مرور الزمن وفي ظل التحديات الحديثة القائمة أن أسبوع العمل لمدة أربعة أيام أمرٌ قابل للتطبيق وغاية في الأهمية لكل من الموظفين وأصحاب العمل والمجتمع.

*خبيرة اقتصادية وأستاذة علم الاجتماع بكلية بوسطن.

* لوس أنجلوس تايمز

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yspkbfb8

عن الكاتب

خبيرة اقتصادية وأستاذة علم الاجتماع بكلية بوسطن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"