عادي

مدونات الكتّاب.. حكايات مسكونة برائحة الأدب

22:24 مساء
قراءة 12 دقيقة
مدونات الكتّاب.. حكايات مسكونة برائحة الأدب

الشارقة: أشرف إبراهيم

مدونات الشعر والأدب فصول مفتوحة على التأويل.. تضم مختلف التجارب والمكنونات الأسلوبية والجمالية، فهي تبرز سِير الشعراء والأدباء والأندية الثقافية، وتعد أداة للتعبير، فهي تروي حكايات مسكونة برائحة أصحابها، تمتلئ بحمولتها الثقافية والإبداعية، وتبتكر حضورها عبر مشاهد تتعدد فيها الفصول، ويرتبط فيها الزمان بالمكان فتعلق على جدران صفحاتها عناوين الأسئلة المحترقة في الذات، فتجعل المبدعين أكثر تواصلاً مع الآخر الذي يرى في مثل هذه المدونات ملاذاً لاختصار ساعة الوقت في البحث عن شعر، أو كلمات أدبية مبثوثة عبر العالم الرقمي، من دون عناء في العثور عليها، فتكون مثل هذه المدونات شأنها شأن غيرها في الثقافة والإبداع، بوابة في التقاط ما تجود به قرائح المبدعين، ونافذه الشاعر والأدب على أوراقه من زاوية أخرى، يستودع فيها أغنياته ورؤاه العابرة في مشهد يفترض فيه حضور الشعر من باب يستقبل الزوار من دون استئذان في كل وقت وكل حين.

يقف الشاعر الإماراتي طلال سالم الصابري، قريباً من أحلام الكتابة في مدونته التي حملت اسمه فيرسل حاسته التخييلية خلف الحروف ليشكل كلمات عابرة يحرسها ويرعاها محاولاً أن يكون منبره خاصاً من دون حاجة ماسة لطباعة كتاب، وهو في هذا الجانب يذهب وراء أفكار يحسب أن شذاها لا يجف طالما أن العالم الرقمي هيأ له مثل هذه المدونة، فيغذيها بكتابات من فيض الخاطر، ينشد بها جريان الكتابة في روحه، فيستظل تحت شجرة حكمة، ويختبر نفسه في ميدان آخر غير الشعر، فيلوح بخطوط حظه، ويمضى نحو تحقيق هذا الحلم.. يقول الصابري في مفتتح مدونته: «يحلم كثيرون من الذين أعرفهم بالكتابة والتعبير للوصول إلى الهدف الأكبر، وهو إصدار كتاب، ولكنهم أيضاً لا يملكون القوة اللازمة والصبر الكافيين لتحقيق هذا المنجز. إن الكتابة قبل أن تكون كتابة هي القراءة، فالذي لا يقرأ لا يمكنه أن يبدأ من الفراغ، إلا إذا أراد أن يكتب فراغاً، كما هو الحال في الكثير من الكتب. فالطريق يبدأ بخطوة، نعم.. لكنّ الجادين وحدهم هم الذين يستمرون ويعملون عملاً حقيقياً على إثراء التجربة، وإثراء الإنسانية برؤية مختلفة للحياة تجعلها أفضل. ولا أسهل من طباعة كتاب في وقتنا الحاضر، ولكن طباعة كتاب يترك أثراً هو الأصعب، وصحيح أن الأمر متاح للجميع، لكن التغلب على النفس والرغبة الحقيقية وإيجاد الوقت والانضباط ليس بالأمر السهل. وإن قوة الإنسان الحقيقية كما قيل هي في توجيه فكره التوجيه الصحيح الذي يصل به إلى الأهداف التي يريدها، وكثير من الكتاب والشعراء والأدباء كانوا في هذا المجال لأهداف لم يجدوها فيه، وقرروا الانسحاب والتفرغ لأشياء أخرى، كالوظائف وإدارة الأعمال، وغيرها وتبقى الكتابة هي الحلم الذي يحلم به حتى الكاتب المحترف».

تسميات وأبواب

حملت مدونة طلال الصابري العديد من الموضوعات الفكرية وجاء في بعض عناوينها: «عصافير الأقفاص، ثلاثة أقدام من الذهب، سنوات في هباء العطاء، ألف عنوان وعنوان، هل تعيش في عالمنا، على أطلال الحاضر»، وقد قسمها إلى أبواب عدة: الصفحة الرئيسية التي تشتمل على المقالات، ثم الأرشيف وجاءت أسماء الموضوعات المؤرشفة على هذا النحو: «تناسخ الأفكار، الشهرة على ظهر الآخرين، البساطة والعفوية، الأعوام، إضافة قيمة كل عام، المستقبليون، لكنها الكلمات تصيب من تشاء، صوت واحد يصنع الفرق».

أما في باب التسميات فقد قسّمه إلى قسمين، هما: الأمل والحياة، خاطرة شعر.. غزل.. حب، وفي هذه المقطوعة الشعرية التي ضمنها في مدونته يبني نظرة أخرى تبرز أسلوبه الدرامي في التفاعل مع الحياة ونظرته التي تختزل العمر ليستجلي الحقيقة كاملة في نفسه من دون تزييف فيقول:

قد يختزل الصباح العمر

وقد يختزل العمر صباح...

وقد يمر العيد بلا عيد

وتمر الحياة بلا حياة

وهناك بين الغرباء والترقب

والحذر والسفر والفرار

يموت الدفء بين الشرفات غريباً

ويهطل النخيل الانتظار

يطيل في غيابة المطار

ويرتجي ظلامه النهار.

يظل الأسلوب الذي بنى عليه الشاعر والكاتب طلال الصابري تصوراته لمجريات الواقع يشف عن قدرة على التكثيف بأساليب تعبيرية عالية، أحياناً تكون بمفردات مباشرة في تراكيبها، وأحيانا أخرى تعلو الرمزية بتدفقها ونضارتها، فيقول في نص آخر حمل عنوان «من جد لم يجد»: «كثيرة هي الأمثال التي تعلمناها في الصغر ورددناها في الإذاعة الصباحية في طابور الصباح في المدارس، كثيرة هي الأحلام التي ترددت بها الوعود بأن نصل للقمة وللطموح، وما نحن في رحلة الحياة إلا في مواجهة الواقع تلو الواقع، والتعب تلو التعب، حتى نصل، لأن الكثير من القناعات التي توارثناها لا تجدي، والواقع مختلف جداً، وربما تصدق كلمة بيل غيتس، التي يقال إنه ألقاها على طلاب الجامعة في حفل تخريجهم حين قال: إن الحياة ليست عادلة، كل ما عليكم هو الاعتياد على ذلك».

لقد أودع الصابري في مدونته خلاصة الأحلام والآمال ومضي بمتابعيه إلى مفردات الحاضر بثقل دلالي وخطاب ذاتي شفاف.

جهد خلاق

تحفل بعض المدونات بعرض سياقات شعرية تعبّر عن المنظور الشخصي والتفاعل الواعي مع الآخر بجهد خلاق وخيال متفرد بما يمثل تيارات اللحظة الراهنة في توظيف المعطيات الشعرية، ومن ثم توزيع الأفكار بدلالات مختلفة داخل النصوص، وفي الآن نفسه قد تتسم موضوعات مثل هذه المدونات برؤى نقدية وإضاءات مشهدية، مثل التي تجسدها مدونة الشاعر سالم الزمر الذي سجل في باب قصائد فصحى العديد، من القصائد التي تبرز جانباً من تجربته، وتحمل عناوين مثل «من غير أمي، العيد، في الصباح، غربة النخيل، غازي القصيبي مكللاً بالقصيد، آه ِ ياعَمَّان»، وغيرها من العناوين الأخرى، فهو يحكم جمله الشعرية فتبدو مكتسية بجزالتها وإيقاعها الموسيقى، فتكتمل الصياغة بشكل متسق، بخاصة أن القصائد المختارة هي لمحات من تجربته الكلية التي يشبعها بالاحتمالات الدلالية، وتظهر خواصه الشعرية للقارئ فيقول مثلاً من قصيدة «من غير أمي»:

مَن غير أمي إن فرِحْتُ بعالمي

فرِحَتْ وإن أبكي بكت من مدمعي

من غير أمي إن شربت مرارة

من كف هذا الدهر كم شربَتْ معي

من غير أمي إن ضحِكْتُ تطايرت

فرحاً وحنّت من حنيني الموجعِ

من غيرُها لبست أحاسيسي التي

أُخفي عن الدنيا وضمّت أضلعي

من غير أمي وجهها وجهي وفي

قسَماتِها من ضحكتي وتوجعي.

في هذا النموذج الشعري الذي ينشره في مدونته يتوالد إيقاع محمل بالدلالات التي تجعل بؤرة اهتمام الشاعر منصبة على تجسيد عظمة الأم، ودائرتها الكبرى المركزية في حياته، فهي المبشرة بالسلام الداخلي والخلاص الحقيقي من المواجع، وهي الفرح الذي يتطاير في خلايا الروح، فتتسع رؤيته في هذا المقطع الذي يفيض بعذوبة خالصة ويحقق فكرة متزينة بجملة من المشاعر والأحاسيس تحقق هذا الحضور الطاغي للأم في حياته لكونها قسيمة له في الفرح والبكاء والحنين والتي من خلالها يستطيع أن يتخلص من المواجع.

ندى الروح

يتواصل أسلوب الشاعر من خلال قصيدة أخرى في مدونته التي تحمل عنوان «في الصباح» التي يبث من خلالها مواجيده لسيدة من شذا، فيهدي لها ندى من روحه، ويسكب لها العطر من قوارير تتناثر مع الريح، فالشاعر يشكل حروفه وفق نسقه الشعري القائم على واقعيته المعهودة، ويسافر بصيغه وكلماته نحو الجمال الحسي مستظلاً بالمرارة أحياناً التي تتماثل مع حركة الإيقاع الشجي في الأبيات فيقول:

أهديك هذا الصباح الحلو سيدتي

أهديك هذا الندى النعسان في روحي

لقد تسربت هذا الصبح في سفر

إلى مدى الجرح في أعماق مجروح

لقد تنفست ملء الروح فانسكبت

مواسم العطر وانسابت مع الريح

وانسبت ملء البوادي في فمي قُبل

مرت بكل الذي قد كان تجريحي

وكل نفس توارت في مآثمها

غسلتها من ينابيعي وتسبيحي.

وفي باب «أخبار ومقالات» يعرض الزمر إضاءات نقدية لعدد من الشعراء الإماراتيين والتي ضمها في كتاب يحمل عنوان «شعريات إماراتية.. سفر الحب» منهم: حمد بوشهاب، وسلطان العويس، وشهاب غانم، وسيف المري، وميسون صقر القاسمي، وعلي عبيد الهاملي، وأحمد محمد عبيد، وإبراهيم محمد إبراهيم، وسالم الزمر، وحسن النجار، وكريم معتوق، وطلال سالم، وصالحة غابش، وزينب عامر، وعمر الحضرمي، وجويرية الخاجة، وقد عبر عن نظرته لهذه المجموعة المختارة من الشعراء بقوله: »إن هذه المجموعة منتقاة مما جادت به قرائح شعراء من الإمارات، من الشعر الوجداني العاطفي، وقد تخيرتها لمجموعة منهم على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، تجمع بينهم العاطفة الجياشة ووهج الوجدان».

وواضح أن النصوص المنتقاة هي لوحات وجد وحب إماراتي خالص ذاهب نحو الجمال والخيال، حيث اتخذت من الحب منهجاً ومسلكاً وبوحاً رقيقاً، فالقصائد هي غيض من فيض الإمارات بشعرائها عبر عقود من الزمن.

وهكذا تمضي المدونة في عرض خصائصها كما أراد لها الشاعر، حيث تسير على منوال نشر قصائده، ومن ثم التعاطي مع نماذج شعرية لغيره من الشعراء الإماراتيين، فتجسد مثل هذه المدونات جانباً فكرياً متماسكاً تتوزع فيه المقاصد بحسب رؤية الشاعر، ورسالته التي يريد أن يبثها من خلال الصفحات الرقمية التي أضحت أكثر انتشاراً في زمن التكنولوجيا والأدوات الأسرع في نشر النتاج الفكري الإبداعي. يقول الشاعر في آخر أبواب المدونة:

بي غربةٌ كغربةِ النخيل

يموجُ في ذا الشارعِ الطويل

يموجُ كالمُهاجرِ المُعنى

يشتاقُ للشموسِ في السهولِ

يقتلهُ الأسمنتُ حين يعلو

فيا لَهُ من صامتٍ قتيلِ

يهيمُ بالطيور حين تغدو

تسألهُ عن هاجسِ الرحيل

وبهذا يعطي للقارئ خلاصة عن شعريته السردية وأسلوبه الذي يعتمد على توليد المعاني في الصياغة، بأداء مدعم بالصورة والخيال والجمال المتناغم الذي يفضي إلى هدف معبر في عالمه الشعري الخاص.

أصوات أدبية

مدونة «أصوات أدبية» تصدر من الإمارات، فهي تحمل رؤى وتصورات عديدة لأفكار الكتاب الذين يتداولون فيها كتاباتهم المتنوعة، حيث تمزج أشكالاً مختلفة من الكتابة السردية وطرائق التعبير للمبدعين الذين تتنامي كتاباتهم يوماً، بعد آخر لتشكل في النهاية وحدة تبرز قضايا أدبية ونقدية وفكرية من زاويا متعددة، ما يمثل نموذجاً ثرياً تجسده مثل هذه المواقع والمدونات التي تتعدد فيها الأصوات كشجرة متشابكة غصونها وأوراقها، فتكتنز مشاهد قريبة وبعيدة أيضاً للمشهد للثقافي بأدوات تصويرية ممتدة الظلال، وقد تخير مشرفوها عنواناً دالاً وهو «أصوات أدبية» وقد جاءت في مفتتحها هذه الكلمات: «أصوات أدبية هي عبارة عن منبر للرأي، والرأي الآخر ينقل صوت الكاتب المثقف بشفافية الفكرة، وعفوية المعنى وتشكل «أصوات» جزءاً مهماً، وملهماً في المنطقة، بما يحويه من فكرٍ نابع عن كتّاب مثقفين ينهلون من معين القالب الثقافي المشترك، والهم الفكري الواحد الذي يصب في مصلحة الأوطان، حيث يتوخّى الموقع خدمة أهدافها في المساهمة في تكوين بيئة حوارية ثقافية تتقبل الآخر بروحٍ واعية، ترمي إلى إشاعة قيم التعايش والتسامح وتبادل الثقافات والانفتاح على الآخر، كما تسعى «أصوات أدبية» إلى أن تكون جزءاً من المشهد الإعلامي، الثقافي الحديث والمتطوّر الذي يستفيد من أحدث التقنيات في عالم «الميديا»، والاتصال، متسلحاً بقيم مهنية رفيعة، وأفكار سامية، تعبر عن الشخص نفسه، وثقافة فكرة بما يطرح من مقالات متنوعة، وتتكون إدارة «أصوات» نخبة من المشرفين الإعلاميين والكتّاب الإماراتيين والعرب، ممن يتمتعون بتجارب مهنية مرموقة في مجال الكتابات الأدبية والمقالات المتنوعة، لا سيما في مجال الثقافة، وتطمح إدارة «أصوات» إلى إنجاز تجربة متميّزة، وإضافة جديدة على المشهد الإعلامي الثقافي العربي.

يشارك في «أصوات أدبية» عدد كبير من الكتاب والأدباء من الأسماء المبدعة في الثقافة والأدب والشعر والنقد، فاكتست كتاباتهم بمهابة الكلمة، وترنموا بجرسها الموسيقي رغم تعدد المدلولات واستثمار الجانب المعرفي وما تعج به الساحتين الثقافية والأدبية، إيماناً بأنه لا بد من ألا تموت الكلمة، وأنه يجب أن تغرس في وجدان القراء كسنبلة خضراء محملة بالعطايا والنوايا الطيبة.

حراك

تحفل مدونة نادي الشعر في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات بحراك ثقافي ممتد المفعول حيث تبرز إبداع المبدعين من خلال احتضان كافة التجارب، ومن ثم الإضاءة على مشاركتهم في المشهد الثقافي الأدبي والأنشطة التي تجسد الحركة الإبداعية داخل هذا الصرح الأدبي الذي يشرع أبوابه للأدباء والشعراء وأصحاب السرد، بما يسهم في توهج الألوان الأدبية، ويبرز النماذج الملهمة التي تتجانس بحكم مشاركتها وحضورها المستمر، وهو ما تعمل هذه المدونة عليه من أجل المساهمة في نشر محتويات تمثل وجه الإبداع الحقيقي على صفحتها في محاولة لاستمرار فاعلية القارئ والمتابع للمسيرات الشعرية، ومن ثم التعرف إلى نماذجها الأسلوبية المعاصرة والتركيز على ما انطوت عليه من مغايرة وتفرد في سياق الذات، والتعاطي مع الواقع وظروفه المتغيرة.

تتصدر صفحة المدونة أبواب مثل: بوابة الشعراء، وجهة الشعر، والموسوعة العربية للشعراء، ومن ضمن ما أبرزته المدونة الإضاءة على تجارب شعرية مثل: خالد أبوسلطان الشكيلي،همسة يونس، وحنان المرزوقي.

قضايا السرد الإماراتي

في مدونة القاص والروائي أحمد طوسون ورد عرض ضافي عن أساليب السرد في الراوية الإماراتية، بخاصة أنها قطعت شوطاً كبيراً في مسيرتها الإبداعية إذا اعتمدت على منظومة من العناصر المتماسكة جعلت حضورها شيئاً رئيسياً في مدونة الراوية العربية، حيث جاء العرض في سياق موظف استطاع أن يخلق أثراً جمالياً قدمه الباحث سيف الإسلام بوفلاقة الذي له إسهامات بحثية ودراسات في أدب الخليج، إذ تستهل المدونة في باب أدب وثقافة بالحديث عن أن التطورات التي شهدتها الرواية الإماراتية ذات أهمية، بخاصة أنها انطلقت من النص التأسيسي الأول لرواية «شاهندة» لراشد عبد الله النعيمي سنة1971، ذلك العمل الذي شكّل نقطة التحول من مرحلة المشافهة إلى التدوين، وما تلاه من أعمال أخرى مثل: «عنق يبحث عن عقد» لعبد الله الناوري، و«دائماً يحدث في الليل» لمحمد عبيد غباش، وصولاً إلى: «السيف والزهرة» للروائي علي أبو الريش، و«عندما تستيقظ الأشجان» و«ساحل الأبطال» و«أحداث مدينة على الشاطئ» لمحمد حسن الحربي، إضافة إلى إسهامات المرأة الإماراتية في هذا الميدان التي قدمت مجموعة من الأعمال المتميزة، مثل: «ريحانة» لميسون صقر، و«الجسد الراحل» لأسماء الزرعوني، و«تشاؤب الأنامل» لرحاب الكيلاني، وغيرها من النصوص الروائية التي لفتت الانتباه إلى كتابات المرأة الإماراتية.

وتبين المدونة ضمن سياقاتها في هذا العرض أن جميع هذه الأعمال ساهمت في النهوض والارتقاء بالتجربة الروائية الإماراتية، فهي قد نجحت في تأكيد حضورها كجنس أدبي قائم بذاته في التجربة الإبداعية الإماراتية، وهي في ذلك لا تقل أهمية عن التجربة الشعرية في الإمارات التي تتميز بالثراء والتنوع والعمق، حيث ساهم مثقفو الإمارات في تأسيس زمن ثقافي،عماده الثقافة المكتوبة والمتفاعلة تفاعلاً حقيقياً مع منجز الثقافة العربية والعالمية

البناء الفني

وعرضت أيضاً المدونة رؤية الكاتب والباحث الدكتور سمر روحي الفيصل - الذي عمل في جامعات الإمارات- للتجربة الروائية الإماراتية لكونها تمتلك تاريخاً طويلاً من الإبداع، راصداً قدرات الروائيين الإماراتيين على الغوص في اقتفاء وتقنياتهم السردية، بهدف تحليل البناء الفني، لمستوياتها الجمالية ومعرفة طبيعة السرد الحكائي للحوادث والمكان، وإلى التمييز بينه وبين السرد الذاتي الذي يعاف الحكاية، ويحاول أن يقضي عليها، وغيرها من القضايا السردية التي يتعرض لها في كتابه الذي يحمل عنوان «سرد التاريخ»، فهو يؤكد أن الرواية الإماراتية حرصت في الأغلب الأعمّ على توفير الحكاية الروائية، خصوصاً أن الروائي الإماراتيّ منح إحدى شخصيات روايته بعضاً من سيرة حياته.

نماذج بارزة

وقد أكد الفيصل أن النصوص الروائية الإماراتية لم تكن حكراً على السارد المهيمن، بل إنها تطرح ما يسمى السارد الممثل الذي يختفي وراء إحدى الشخصيات الروائية، كما أنه يكتفي بما تعرفه، ويترك المجال للشخصيات الأخرى أن تعبر عن حركتها الخارجية بنفسها، وكذلك فإن لهذا السارد وجهة نظر في الحوادث الروائية، ولكنه لا يطرحها بشكل مباشر، ويترك طرحها للشخصية التي يختفي وراءها، ومن أبرز النماذج الروائية الإماراتية التي قامت باستعمال السارد الممثل رواية (الديزل) لثاني السويدي، ورواية (نافذة الجنون) لعلي أبو الريش، فالأولى «طرحت سارداً ممثلاً بشخصية (الديزل)، وتركته يُقدّم نفسه بضمير المتكلم طوال الرواية، من دون أن يجرؤ هذا السارد الممثل على أن يجاوز الديزل، فينصّ على شيء لا يعلمه، أو يتأخر عنه فيبدو أقل معرفة منه. ذلك أنه سارد متماهٍ مع شخصية الديزل، يسير معها، ويعرف ما تعرفه، ويتركها تتحدّث بلسانها وتعبِّر عن دخيلتها، حتى إن المتلقي لا يشعر بوجود هذا السارد داخل الرواية، ولا يعثر على أيّ دليل عليه.

وتعرض المدونة أيضاً نماذج روائية ظهرت في الإمارات مثل رواية (شاهندة) لراشد عبد الله النعيمي التي هي نص سردي قابل للتحليل النقدي لأنماط السرد كأي نص آخر، ولا يجوز التحجج بأنها تشكل البداية، فهذه الحجة في نظره حجة واهية، فرواية (شاهندة) قادرة على الصمود أثناء الامتحان النقدي، ويشير إلى أنه يتعرض في تحليله لأنماط السرد في الرواية المذكورة إلى نمطين أساسين، هما: السرد والعرض، ولكن نظرته إليهما تقوم على أساس أنهما عملية سردية واحدة، ويقتصر تحليله على ثلاث علاقات: يرتبط السرد في أولها بالخطاب، والثاني بالعرض، والثالث بالوصف..

سماء أخرى

من ضمن الشعراء الذين أوضحوا اتجاهاتهم في مدونة، الشاعر كمال عبدالحميد الذي يمتلك طاقة تجعله يحلّق في سماء أخرى تداعب مخيلته، وتمده بالصور الشعرية المبتلة بماء الحزن، فالمدونة تكتشف أننا أمام شاعر يكتب قصيدة النثر بشكل مغاير.. يسير في غابة ملونة بالخيال فهو على حد تعبيره ينثر من خلالها الرماد.

فمنذ الوهلة الأولى للمدونة تتضح لنا تقسيمات ابتدعها الشاعر، تعبر عن أبوابها المتسقة والتي تحمل عناوين مثل: «رقصة التباعد، أحزان كاملة، نثر الرماد، في خبر كان»، والتي تضم قصائد منفردة، ودواوين شعرية أصدرها الشاعر في مراحل عمرية مختلفة، ونصوصاً حرة، ومقالات تختزل تجربته في الحياة بوجه عام، إضافة إلى ما تناولته الأداة النقدية عن إبداعاته المتنوعة.

نخبة

توفر مدونة مؤسسة الإمارات للآداب، سلسلة من التسجيلات الصوتية لجلسات مع نخبة الكتاب والمبدعين المحليين والعالميين، مثل جلسة «مستقبل اللغة العربية». وتتيح المدونة جلسات فكرية للمشاهدة على يوتيوب، إضافة إلى جلسات مقدمة باللغة الإنجليزية مع ترجمة للغة العربية.

وتوضح صفحة المدونة مهمة المؤسسة في تعزيز مكانة ودور الأدب وإثراء الثقافة بشتى أشكالها؛ لذا تم إطلاق مدونة صوتية جديدة من شأنها الوصول إلى شرائح مختلفة من الجمهور، لضمان استمتاع كل متذوقي الأدب في العالم، ولاسيما الوطن العربي.

وقد قسمت المدونة إلى عدة أقسام مثل «الكتب، الأدباء، النشر، مقالات» وغيرها من الأبواب التي تسهم في إثراء الحركة الثقافية، ومن ضمن العناوين التي ضمت صفحتها الرئيسية: ماذا نقرأ من الكتب؟ تسليط الضوء على الكتاب الإماراتيين، مستقبل اللغة العربية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3vu8xzh7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"