عادي
تيودور شاسيريو أحد أبرز الرومانسيين في القرن ال 19

(الأختان).. اللون ينطق بخبايا النفس

20:01 مساء
قراءة 4 دقائق
تيودور شاسيريو - لوحة «الأختان»

الشارقة: عثمان حسن

(1819 – 1856) فنان فرنسي تتلمذ على يدي جان أوغست دومينيك إنجرس، وهو محسوب على الحركة الرومانسية ومدرسة الاستشراق. ولد في الدومينيكان، واشتهر بصوره ولوحاته التاريخية والدينية وجدارياته الاستعارية، وصور الاستشراق المستوحاة من رحلاته إلى الجزائر.

رسم شاسيريو في وقت مبكر من حياته المهنية بأسلوب كلاسيكي جديد قريب من أسلوب أستاذه إنجرس، ولكن في أعماله اللاحقة تأثر بشدة بالأسلوب الرومانسي لأوجين ديلاكروا. كان رساماً غزير الإنتاج، وصنع مجموعة من المطبوعات لتوضيح حكاية «عطيل» لشكسبير. اللوحة التي رسمها في سن الخامسة عشرة لبروسبر ماريلات (1811 – 1847) جعلته أصغر رسام يعرض في متحف اللوفر.

ولد شاسيريو في مستعمرة سانتو دومينغو الإسبانية (جمهورية الدومينيكان حالياً)، وكان والده مغامراً فرنسياً وصل إلى سانتو دومينغو عام 1802 لتولي منصب إداري، كانت سانتو دومينغو حتى عام 1808 مستعمرة فرنسية. كانت والدة ثيودور، واسمها ماريا ماجدالينا دي لا بلانيير، ابنة مالك أرض، وفي ديسمبر/كانون الأول 1820، غادرت العائلة سانتو دومينغو متوجهة إلى باريس، وهنا، سرعان ما أظهر الفنان الشاب مهارة في رسوماته المبكرة. تم قبوله في استوديو الفنان جان إنجرس في عام 1830، وهو في سن الحادية عشرة، وأصبح التلميذ المفضل لهذا الفنان الكلاسيكي العظيم، الذي اعتبره تلميذه الحقيقي.

*صالون باريس

بعد أن غادر إنجرس باريس في عام 1834 ليصبح مديراً للأكاديمية الفرنسية في روما، وقع شاسيريو تحت تأثير أوجين ديلاكروا، وغالباً ما تم وصف فن شاسيريو بأنه محاولة للتوفيق بين كلاسيكية إنجرس ورومانسية ديلاكروا. عرض لأول مرة في صالون باريس عام 1836، وحصل على المركز الثالث في فئة الرسم التاريخي. في عام 1840، سافر شاسيريو إلى روما والتقى إنجرس، أثناء وجوده في إيطاليا، وفي هذه الفترة رسم تخطيطات للمناظر الطبيعية، ودرس اللوحات الجدارية لعصر النهضة.

من بين الأعمال الرئيسية لنضجه المبكر (سوزانا والحكماء) و(فينوس أناديوميني)، وكلتاهما رسمتا في 1839، و(ديانا تفاجئ أكتايون) في 1840، و(أندروميدا مقيدة إلى الصخرة من قبل نيريد) في 1840، وغيرها، وقد تلقت اللوحات الدينية الرئيسية لشاسيريو في هذه السنوات آراء متباينة من النقاد.

من بين أهم الأعمال التي تنسب لهذا الفنان الشهير واحدة بعنوان (الأختان) وأتمّها في عام 1843، وهي تصور شقيقتيه (أديل وألين)

واللوحة مدرجة ضمن أهم الأعمال البارزة لفنان، وقد دخلت مجموعة متحف اللوفر في عام 1918.

في هذا العمل يصورشاسيريو شقيقتيه اللتين غالباً ما كان يستخدمهما الفنان كنماذج لأعماله، وفي الرسم تقف الأختان جنباً إلى جنب، على اليسار تقف ألين وتظهر بوردة مورقة عند خصرها، أما على اليمين فتظهر الأخت الكبرى أديل.

على الرغم من أن تمثيل الأختين في هذا العمل يظهرهما بملابس متطابقة توحي بأنهما توأمان، فإن أديل كانت في الثالثة والثلاثين من عمرها، في حين كانت ألين في الحادية والعشرين. لا يظهر فارق السن بينهما في اللوحة. وكلتا الأختين لديها شعر ناعم ولامع، مفروق في المنتصف، ومربوط من الخلف على شكل كعكة. ترتدي الأختان مجوهرات متماثلة، تبرز الشكل الأنيق لمظهرهما، على خلفية خضراء موشاة باللون الأخضر.

العمل هو نتاج النضج المبكر لشاسيريو، عندما كان حريصاً على إظهار استقلاليته عن أستاذه إنجرس، الذي كان قد اختلف معه في عام 1840. على الرغم من أنه تلقى تدريباً كلاسيكاً متقناً على يديه، وكما قلنا سرعان ما أصبح متأثراً بأستاذه الرومانسي يوجين ديلاكروا، كما يتضح في هذه اللوحة (الأختان) التي تظهر أسلوب شاسيريو في استخدام التأثيرات القوية لتقنية اللون، كما يظهر في الشالات التي تلف بها الأختان جسديهما حتى منتصف الجسم؛ حيث اللون الأحمر الساطع والمشرق، وبعض النقاد اعتبر اللون في هذه اللوحة بمنزلة دراسة متعمقة في علم النفس.

*مهارة

عندما عرضت لوحة الأختين في صالون باريس عام 1843، كان رد فعل النقاد والجمهور متبايناً، كتب الناقد الفرنسي لويس بيسه: «أراد شاسيريو، ربما دون داعٍ، القيام بأمر صعب، وهو رسم شخصيتين من النساء، كلتاهما بذات الطول، في فساتين من نفس اللون ونفس القماش، ونفس الشال، الذي ظهر على الأختين متطابقاً وبدرجة كبيرة، ولإدامة هذا النوع من المغامرة دون استخدام أي حيلة من تأثيرات الضوء، فقط من خلال سلطة الأسلوب والشكل والشخصية. هل نجح بشكل كافٍ؟ أنا لا أظن ذلك، ومع هذا، فقد نفذ شاسيريو هذا العمل بقوة ومهارة فائقة تستحق أن تسود في عالم الرسم».

طوال حياته كان شاسيريو رساماً غزير الإنتاج، وبحسب نقاد الفن، فإن أعماله العديدة المنفذة بقلم رصاص من الجرافيت المدبب نفذت بدقة قريبة في أسلوبها من رسومات إنجرس. قام شاسيريو أيضاً بإنشاء تركيب مؤلف من 29 مطبوعة، بما في ذلك مجموعة من ثمانية عشر نقشاً لموضوعات تستوحي مسرحية (عطيل) لشكسبير في عام 1844، وبعد سنتين من هذا التاريخ، قام بأول رحلة له إلى الجزائر، ومن الرسومات التي أنجزها في هذه الرحلة ورحلاته اللاحقة، عدة أعمال بموضوعات مختلفة.

كان أكثر أعمال شاسيريو ضخامة، هو زخرفة الدرج الكبير لقاعة «الكومبت»، التي أمرت بها الدولة الفرنسية في عام 1844 واكتملت في عام 1848. وقد حذا شاسيريو حذو ديلاكروا في تنفيذ هذا العمل بالزيت على الجص، وقد تعرّض هذا العمل لأضرار جسيمة في مايو/أيار 1871 بسبب حريق تسبّبت به «كومونة» باريس، ولم يكن بالإمكان استعادة سوى أجزاء قليلة منه، وهي محفوظة أيضاً في متحف اللوفر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr2tsmsu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"