العلاقات الاستثمارية بين منطقة الخليج وإفريقيا

22:35 مساء
قراءة 4 دقائق

جولام باليم*

برزت دول مجلس التعاون الخليجي على مدار العقد الماضي كمستثمرٍ رئيسي في جميع أسواق القارة الإفريقية، حيث تم توقيع عددٍ متزايد من الصفقات التجارية التي تعود بالنفع الكبير على المنطقتين. وشهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول مجلس التعاون الخليجي في إفريقيا بالفترة من 2012 إلى 2022 ضخ استثمارات بقيمة 101.9 مليار دولار في 628 مشروعاً، بينما بلغ حجم الاستثمار الإفريقي في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة نفسها نحو 3 مليارات دولار في 141 مشروعاً.

أبرمت دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة دولة الإمارات، عدداً كبيراً من الشراكات مع الدول الإفريقية. ففي العام 2018 وحده، موّل صندوق أبوظبي للتنمية أكثر من 66 مشروعاً في 28 دولة إفريقية بقيمة إجمالية تبلغ 16.6 مليار دولار. ساعد هذا الاستثمار في دفع أجندة التنمية الإفريقية وخلق فرص العمل وتحسين البنية التحتية وتعزيز النشاط الاقتصادي في 28 دولة، ما أثر بشكل إيجابي في المشهد الاقتصادي في القارة، بما يتوافق مع «أجندة 2063: إفريقيا التي نريد» التي تهدف لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة لإفريقيا.

علاوة على ذلك، فإن دولة الإمارات تعد من بين أكبر عشرة مستوردين للسلع والمنتجات من عشر دول إفريقية، ما يوضّح العلاقات التجارية الثنائية المتنامية. من جهة أخرى، يمثل ممر الشرق الأوسط / إفريقيا فرصة اقتصادية ممتازة، حيث يلعب قرب المسافات وسهولة السفر وتقديم الخدمات اللوجستية دوراً مهماً في تسهيل تجارة السلع والوصول إلى الخدمات. تختار الشركات الإفريقية بشكل متزايد دولة الإمارات كقاعدة لعملياتها، حيث تم تسجيل 1600 شركة إفريقية جديدة في غرفة تجارة وصناعة دبي منذ أكتوبر 2021، ما يدل على الفرص المتاحة لهذه الشركات لاستخدام الإمارات كقاعدة للمشاركة الخارجية ومنصة الاستفادة من فرص التصدير العالمية.

تلعب الطاقة والبنية التحتية دوراً محورياً في هذه الشراكات، كما تساهم هذه الاستثمارات التجارية أيضاً في الوصول إلى أهداف المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 التي أطلقتها دولة الإمارات. ولعل جمهورية زامبيا تقدم مثالاً توضيحياً لتحديات الطاقة التي تواجهها العديد من الدول الإفريقية، حيث تنتج البلاد ما يقرب من 3500 ميجاواط من الطاقة، ويتم توليد 75% منها من الطاقة الكهرومائية. ومع ذلك، فقد أثر الانخفاض الكبير في مستويات المياه في بحيرة كاريبا على إنتاج الطاقة في البلاد بشكل كبير، ما أدى إلى تطبيق الحكومة لخطة تقنين استهلاك الكهرباء. ووقّعت دولة الإمارات مؤخراً صفقة مع زامبيا لمعالجة هذه المشكلة، حيث سيتم تطوير مشاريع للطاقة الشمسية قادرة على توليد 2000 ميجاواط إضافية من الكهرباء لسكان زامبيا.

وعلى الرغم من عدم قدرة بعض الدول الإفريقية على إجراء تحول سريع إلى أشكال أكثر نظافة من الطاقة بسبب نقص التمويل، إلا أن هناك فرصة كبيرة في إفريقيا لشركات الطاقة البديلة والمستثمرين. تعد إفريقيا وجهة مثالية للاستثمارات الخضراء في تقنيات الطاقة المتجددة، كما أن إمكانات أنظمة الطاقة المتجددة الصغيرة وغير المتصلة بالشبكة هائلة. ومع ذلك، فإن حل تحديات الطاقة في القارة الإفريقية يتجاوز حدود التدخل الحكومي. فقد كشف تحليل أجراه عددٌ من رواد العمل المناخي رفيعي المستوى في الأمم المتحدة أن القطاع الخاص يمكن أن يقدم ما يصل إلى 70% من إجمالي الاستثمارات العالمية المطلوبة لتحقيق أهداف الحياد المناخي في القارة.

لقد دعا الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والرئيس المعين لمؤتمر الأطراف «COP28»، مؤخراً إلى زيادة كبيرة في التمويل العام والخاص لمساعدة إفريقيا في مكافحة تغير المناخ. وأشار الجابر إلى الإمكانات الهائلة للنمو المنخفض الكربون والتنمية المستدامة في إفريقيا، لكنه أكد أن الافتقار إلى التمويل المتاح والسهل وذي التكلفة المعقولة يعوق هذا التقدم. وأعتقد أن الاستثمار في قطاع الطاقة المستدامة في إفريقيا لا يعتبر فرصةً استثمارية مهملة فحسب، لأن نقص التمويل يعرض أهداف المناخ حول العالم والتنمية المستدامة في إفريقيا على وجه الخصوص إلى الخطر.

وإلى جانب قطاع الطاقة، قامت دولة الإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر، باستثمارات كبيرة في قطاعات تشمل الزراعة والتعدين والاتصالات والبنية التحتية والعقارات والضيافة، فضلاً عن الاستثمار في المؤسسات المصرفية والمالية القوية في إفريقيا.

أعادت عمليات الاستحواذ الكبيرة للأراضي تشكيل المشهد الاقتصادي، فقد جلبت هذه العمليات فرصاً جديدة لدول مجلس التعاون الخليجي. ومن أبرز هذه الصفقات استحواذ المملكة العربية السعودية على 500 ألف هكتار في تنزانيا وشراء دولة الإمارات ل 400 ألف هكتار في السودان. كما شهدت اتفاقية بارزة أخرى شراء قطر ل 40 ألف هكتار من كينيا مقابل قرض بقيمة 2.5 مليار دولار، بهدف دعم بناء ميناء ثانٍ للمياه العميقة.

وساهمت دولة الإمارات، التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية التي تشكل نسبة 89% من استهلاكها، بتوفير الحلول للقضية الملحّة المتعلقة بالأمن الغذائي، وذلك من خلال إقامة علاقات تجارية مع كينيا التي تتمتع بأراضٍ زراعية خصبة. وتهدف دولة الإمارات من خلال هذا التعاون إلى تأمين احتياجاتها من الواردات الغذائية.

* كبير الاقتصاديين في بنك ستاندرد

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/25atm864

عن الكاتب

كبير الاقتصاديين في بنك ستاندرد

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"