بين فلسطين وأوكرانيا

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

في خضم الحرب الأوكرانية التي بدأت يوم 24 فبراير/شباط 2022، والهجوم الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها في الضفة الغربية المحتلة قبل أيام، وما سبقها وتلاها من قرارات إسرائيلية بتوسيع رقعة الاستيطان والتهويد، وردود الفعل الدولية عليهما، تبدو المفارقة في كيف ينظر الغرب إلى الحالتين بازدواجية لافتة، تعبّر عن مدى التضليل في مفهوم حقوق الإنسان، وازدراء للشرعية الدولية والقانون الدولي في ما يتعلق بالشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وحقه في مقاومة الاحتلال.

 التناقض الذي تمارسه الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة تجاه الحرب الأوكرانية والممارسات الإسرائيلية المتواصلة، من أعمال عنف وتهويد ومصادرة للأرض، يبدو جلياً، فهي تنظر إلى العملية الروسية في أوكرانيا بأنها «احتلال» و«عدوان» يجب مقاومته، ولذلك توفر كل أشكال الدعم العسكري والمادي لأوكرانيا، وتعمل على إطالة أمد الحرب ورفض المفاوضات، بانتظار إلحاق الهزيمة بروسيا.

 في فلسطين الأمر يختلف،إذ يتم التعامل مع الممارسات الإسرائيلية بخفة تتجلى في الاستنكار أو الشجب والدعوة إلى ضبط النفس في معظم الأحيان، مع تجاهل وجود احتلال يمارس أشد أشكال القهر والعنف والإرهاب، رغم وجود أكثر من 86 قراراً عن مجلس الأمن ومثلها عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، صدرت في أزمنة متفاوتة منذ 75 عاماً، وكلها تدعو إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وحق تقرير المصير، وعدم شرعية المستوطنات، وإقامة الدولة الفلسطينية.

 بل إن الولايات المتحدة تنظر إلى الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على الشعب الفلسطيني، أكان في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وآخرها الهجوم الذي استهدف مدينة جنين ومخيمها، على أنه «دفاع عن النفس»، بمعنى أن لإسرائيل الحق في استخدام القوة ضد المدنيين وبالطريقة التي تراها، ومهما كان عدد الضحايا، وما يصاحب ذلك من تدمير.

 إنها ازدواجية فجة في التعامل مع ما يجري في أوكرانيا، وما يجري في فلسطين، هناك احتلال مرفوض من جانب الشرعية الدولية، كان يجب أن ينتهي منذ سنوات، وللشعب الفلسطيني الحق في مقاومته وفقاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية نفسها، وهناك في أوكرانيا حرب، تقول روسيا أنها اضطرت لخوضها دفاعاً عن وجودها، بعدما توسع حلف الأطلسي إلى تخومها الغربية، ويستخدم أوكرانيا «حصان طروادة» لتحقيق أهداف هذا التوسع.

 لكنها الشيزوفرينيا والأزمة الأخلاقية السياسية التي تعانيها الدول الغربية في تعاملها مع حقوق الشعوب، وتطبيق القرارات الدولية بمعايير مزدوجة بما يلبي سياساتها مهما كانت كُلف البشرية باهظة، وتداعياتها المكلفة على الأمن والسلام الدوليين.

 لقد باتت شعارات الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، مجرد لافتات تخفي وراءها كل أشكال التمييز والكراهية والسياسات الملتوية التي تحمي الاحتلال والاستيطان والتطرف.

 فلسطين شيء وأوكرانيا شيء آخر. مسموح أن يتم حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه، من بينها حق الدفاع عن وجوده، أما أوكرانيا فلها حق الدفاع عن نفسها وما يقتضيه ذلك، من دعم ومساندة ومهما بلغت التكاليف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yuuxtn5m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"