رأسمالية الروبوت

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

لا حديث الآن للكثير من التقارير والمحللين والمتابعين إلا عن الذكاء الاصطناعي، وفي مختلف المجالات، هناك من يقول إن بإمكانه الإبداع في حقول الأدب من رواية وقصة وشعر وفي الفنون وفي الطب، وهناك من يتخوف من أن تكون الروبوتات بديلاً عن الحكام في كرة القدم، وبين كل هذه الأحاديث تطرح العديد من الأسئلة التي تتعلق بقدرات الذكاء الاصطناعي الفعلية، منها ما يعبر عن قلق حقيقي من هيمنته على البشر في المستقبل إلى درجة أن أحد الروبوتات في المؤتمر الصحفي الذي عقد لمجموعة منها مؤخراً، نفى بشكل قاطع أن تسيطر الروبوتات على الإنسان في يوم ما.

الذكاء الاصطناعي في أحد وجوهه يعبر عن الرأسمالية فائقة الحداثة، أو هو آخر طبعة من الرأسمالية تلك التي ارتبطت بالعديد من العوامل المعقدة والمتداخلة، والأهم أنها ارتبطت بنزوع غربي للتوسع واستعمار العالم. بدأت الرأسمالية جنينية مع حركة الكشوف الجغرافية في القرن السادس عشر، حملت تلك الحركة في الظاهر رسالة الرجل الأبيض لتمدين المتخلفين ولكنها في الحقيقة نهبت ثرواتهم وأبادتهم، ويقال إن الفضة التي حصل عليها الأوروبيون من الأرض الجديدة تكفي لبناء جسر من أوروبا إلى أمريكا الشمالية. في مرحلة لاحقة من الرأسمالية رفع الاستعمار شعار التنوير وعلى الأرض كان يكسب مواقع يجلب منها المواد الخام من أجل تصنيعها وإعادة بيعها في المستعمرات، وفي كل مرحلة كانت الرأسمالية تصل إلى طريق مسدود بعد أن تكون قد استهلكت كل الثروات ولم يعد لديها ما تفعله، فتبدأ في البحث عن مرحلة جديدة تجدد فيها نفسها.

لقد حققت الرأسمالية ثروات لانهاية لها في مرحلة العولمة، يكفي أنها فتحت أسواق العالم كافة وقامت بتقسيم العمل في أكثر من مكان، للاستفادة من رخص الأيدي العاملة في بعض الأماكن، وأصبح العالم قرية صغيرة، وحلت شركة مثل «أبل» في المرتبة الخامسة ضمن أقوى الاقتصادات في العالم، وإذا أضفنا إليها «جوجل» و«أمازون»..الخ لاكتشفنا أن الرأسمالية ومن خلال الشركة عابرة للقوميات قد حققت نجاحاً لافتاً، ولكنها وجدت نفسها أمام سؤال «وماذا بعد؟»، أي أنها استنفذت كل إمكانياتها، هنا كان لابد من بدء مرحلة جديدة من الرأسمالية تتمثل في الذكاء الاصطناعي.

هناك من الخبراء من يرى أن الروبوتات ستحل مكان البشر في العمل، وهناك من يرى أن ذلك يتناقض مع هدف الرأسمالية الأساسي والمتمثل في تحقيق أكبر قدر من الربح، من خلال دورة رأس المال في الأسواق، وهو الأمر الذي لن تشارك فيه الروبوتات بطبيعة الحال، وبالتالي فتأثيرها في سوق العمل سيكون محدوداً، أما الأزمة الكبرى التي ورطت الرأسمالية العالم فيها فتتمثل في سؤال: هل تستطيع تلك الروبوتات تطوير ذكاء خاص بها؟ البعض يجيب بنعم، وهنا الكارثة لأنها وبالتأكيد ستتمرد يوماً ما على البشر، وستقوم بما يضرهم وربما تكون الحياة نفسها على المحك، مهما ادعى روبوت أو آخر الآن أن هذا السيناريو لن يحدث.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9cf76e

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"