مصير هيمنة الدولار الأمريكي

21:48 مساء
قراءة 4 دقائق

محمد الأحمد قطماوي *

لطالما كان الدولار الأمريكي هو العملة الأقوى في العالم. وتحصل الولايات المتحدة الأمريكية على كثير من المزايا والامتيازات من حقيقة أن الدولار هو العملة الاحتياطية الأولى في العالم.

لكن بداية دعونا نستعرض العوامل التي جعلت الدولار الأمريكي العملة الأكثر هيمنة في العالم، وهذه العوامل هي:

الثبات والقوة الاقتصادية للولايات المتحدة: الولايات المتحدة تمتلك أكبر اقتصاد في العالم، ويعتبر مستقراً وموثوقاً به. هذا يجعل الدولار أصلًا آمنًا يمكن للدول الأخرى استخدامه كاحتياطي.

التجارة العالمية: بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الولايات المتحدة القوة الاقتصادية العالمية الرئيسية. نظراً لحجم الاقتصاد الأمريكي وتواجده العالمي، وتتم تسعير العديد من المعاملات الدولية بالدولار. وتتم تجارة السلع، مثل النفط والذهب، بالدولار الأمريكي في السوق الدولية.

اتفاقية بريتون وودز: حددت اتفاقية بريتون وودز عام 1944 الدولار كعملة احتياطية عالمية. حيث اتفقت جميع الدول المشاركة على ربط عملاتها بالدولار، الذي كان بدوره مرتبطاً بالذهب. وحتى بعد أن أنهت الولايات المتحدة التحويل المباشر للدولار إلى الذهب في عام 1971 (نهاية المعيار الذهبي)، استمر الدولار الأمريكي في حيازته لمركزه كعملة احتياطية عالمية.

الثقة بالمؤسسات الأمريكية: تمتلك الولايات المتحدة مؤسسات سياسية وقانونية قوية، وللبنك الفيدرالي الأمريكي سجل حافل في الحفاظ على معدل التضخم منخفضاً نسبياً. هذا يخلق ثقة بالدولار كمخزن للقيمة.

العمق والسيولة للأسواق المالية الأمريكية: تعد الأسواق المالية الأمريكية الأكبر والأكثر سيولة في العالم. هذا يضمن إمكانية التداول لكميات كبيرة من الدولارات من دون التأثير بشكل كبير في السعر، ما يوفر ميزة عملية لاستخدام الدولار كعملة احتياطية.

دين الحكومة الأمريكية: تعتبر الأوراق النقدية للخزانة الأمريكية من أكثر الاستثمارات أماناً في العالم، بسبب الخطر المتدني من التخلف عن السداد. غالباً ما تستخدم كشكل من أشكال الأصول الاحتياطية من قبل الدول الأخرى، ما يعزز هيمنة الدولار الأمريكي.

تأثير الشبكة: أخيراً، يستفيد الدولار من تأثير الشبكة. وكلما قبل الأشخاص استخدام الدولار كمعيار، كان أكثر فائدة للآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه. وهذا يخلق حلقة مكررة تساعد في الحفاظ على هيمنة الدولار على العالم.

هذه العوامل مجتمعة، تجعل الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية السائدة في العالم. ولكن، موقعه في المستقبل ليس مضموناً، ويمكن أن يتأثر بالعديد من العوامل، بما في ذلك التحولات الجغرافية السياسية، والتغييرات في أنماط التجارة العالمية، وارتفاع اقتصادات أخرى، مثل الصين والهند.

ونتيجة لهذا الوضع، لطالما حاولت الحكومات والمؤسسات المالية التخلي عن هيمنة الدولار الأمريكي، حتى لو لم تكن هي النية المعلنة، وتمثل هذه الهيمنة دافعاً مهماً لإنشاء صندوق النقد الدولي عملة خاصة من سلة العملات وتسمى حقوق السحب الخاصة (SDR)، أو حتى محاولات روسيا والصين المستمرة لإنشاء عملة جديدة.

وتلقت محاولات التخلي عن هيمنة الدولار الأمريكي دفعة قوية في الفترة الماضية، خاصة بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في 2022.

وطوال الأعوام الماضية، بدأت حصة الدولار الأمريكي تتراجع كاحتياطي نقدي عالمي. فعلى مدار الأعوام الماضية، تراجعت حصة الدولار من 71% في عام 2000 إلى 59% في 2023. وبالرغم من استمرار الدولار كعملة احتياطي أولى، حتى بعد انخفاضها، إلا أن تراجعها بتلك الوتيرة يعكس محاولات الدول المستمرة للتخلي عن الدولار في الأعوام المقبلة.

والجدير بالذكر، أن انخفاض حصة الدولار كاحتياطي نقدي عالمي لم يرافقه ارتفاع في العملات الرئيسية الأخرى، مثل اليورو والاسترليني، ولكن بدأ التحول عن الدولار في اتجاه اليوان الصيني، أو الذهب.

ويخطط تحالف بريكس الذي يتكون من: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، لطرح عملة جديدة لإلغاء الدولرة في المعاملات التجارية الدولية. وتسعى تلك الدول إلى تعزيز سيادتها المالية وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي من خلال عملة قابلة للتداول مقوّمة بالذهب.

وانضمت العديد من الدول إلى الاجتماع الذي عقده ممثلو دول البريكس مثل، الإمارات والسعودية وإيران، في يونيو/ حزيران الماضي. ومن المتوقع أن يصدر بيان رسمي خلال قمة البريكس القادمة، في أغسطس/ آب 2023 لإعلان العملة بشكل رسمي.

ومنذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أعلنت العديد من الدول عن عقوبات صارمة على روسيا، حيث جمدت الحكومات الأوروبية نحو 300 مليار دولار من احتياطات روسيا من العملات الأجنبية. والدول التي تدعم روسيا، مثل الصين والهند، بدأت محالات إلغاء الدولرة في النظام التجاري العالمي، من خلال الاعتماد على الروبية الهندية واليوان الصيني. ويعتقد البعض أن الروبية الهندية في طريقها لتصبح عملة احتياطي نقدي عالمي، بعدما تم منح أكثر من 15 دولة التداول بالروبية، مثل المملكة المتحدة وألمانيا وروسيا.

أما بالنسبة إلى الذهب، فطالما كان الاحتياطي النقدي الرئيسي الذي تسعى الدول للحصول عليه، وبالأخص في الفترة الماضية. فبعد العقوبات التي تم فرضها على روسيا، قامت الدول الناشئة، مثل تركيا والصين، بزيادة احتياطيها من الذهب. الأمر الذي تسبب في زيادة الطلب على الذهب إلى أعلى مستوياته منذ نحو 55 عاماً.

وحالياً يتم الاعتماد على الدولار كعملة رئيسية لتداول النفط، ويسيطر على أكثر من 74% من المعاملات التجارية الدولية، وأكثر من 50% من الاحتياطي النقدي العالمي. أي بعبارة أخرى، حتى الآن جميع البنوك المركزية حول العالم تملك الدولار كاحتياطي نقدي، حتى لو بنسب متفاوتة.

وبالتالي، فتأثير عملة البريكس، أو الاعتماد على عملات ناشئة أخرى، قد يكون وارداً، ولكنه غير أكيد حتى هذه اللحظة. فكلها محاولات مستمرة من الدول لإزالة الدولرة.

ومن ثمّ، فقد تنجح عملة البريكس في التداول عالمياً، ولكنها لن تحل محل الدولار الأمريكي. فمثل ما حدث مع اليورو سابقاً، وهي عملة تم إنشاؤها من قبل بعض دول الاتحاد الأوروبي لتكون ذا نفوذ وتنافس قوتها الدولار الأمريكي، ومع مرور الوقت أصبحت عملة رئيسية، ولكنها لم تحل محل الدولار الأمريكي. وهذا عندما نتحدث عن الاقتصاد الأوروبي الذي كان يسيطر على الاقتصاد العالمي قبل الحرب العالمية الأولى. أما بالنسبة لعملة البريكس فتتبناها الدول الناشئة التي تعاني من ضغوطات قوية، سواء سياسية أو اقتصادية.

* الرئيس التنفيذي لشركة «إكويتي سيكيورتيز كرنسيز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc5rs6pu

عن الكاتب

الرئيس التنفيذي لشركة «إكويتي سيكيورتيز كرنسيز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"