النظرة النمطية لابن الصحراء

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

تقول النظرية التنموية إن التقدّم والتطور وتحقيق الإنجازات وتوفير الحياة الكريمة للشعب يتطلب استقراراً في نظام الحكم، ولا تحدّد النظرية شكل هذا النظام، إن كان وراثياً أو تداولاً للسلطة، أو ملكياً دستورياً، أو جمهورياً. كما لا تحدّد النظرية شكل النظام الاقتصادي إن كان ليبرالياً أو اشتراكياً، في المحصّلة هنالك شرط الاستقرار. وهذه الصفة تتطلب تاريخاً تراكمياً من ممارسة نظام سياسي يحقق الانسجام بين الحاكم والشعب، ولا أقول المحكوم، لأن العدالة تنتفي فيها معادلة الحاكم والمحكوم وتقر بالمشاركة، والمشاركة أنواع وطرق كثيرة، ولا تقتصر على وجود الأحزاب والطوائف. المشاركة الحديثة هي الإحساس بالانتماء للوطن والولاء لقيمه وسياساته، بينما في حالة الأحزاب يكون الولاء لها وللكيانات الموازية للسلطة، وهنا تتعدد الانتماءات والولاءات، وتختلف الغايات والأهداف ويصبح الوطن أولوية ثانية أو ثالثة. وهذا ما نراه جلياً، على الأقل في دول العالم الثالث، التي تطبق الديمقراطية بطريقة مغلوطة، إذ تهتم بالشكل وتتناسى المضمون، وعند أي اختلاف في المصالح، تنقسم البلاد ومعها العباد، ويبدأ النهش بالوطن.

الدول المستقرة التي تعتمد نظمها السياسية على تعدّد الأحزاب، مرّت بمراحل عديدة أنتجت ثقافة قبول الآخر والاعتراف بالاختلاف العرقي والعقائدي واللغوي والقيمي، إلى أخر أنماط الاختلاف، وضمنت كل ذلك القوانين، التي تم تطبيقها بحزم، ومن بينها حرية التعبير، المحكومة أيضا بثقافة القبول وحسن التعبير عن الرأي وأدابه، ووجدنا أن شروط الاستقرار رزمة واحدة لا يمكن القبول بجزء وتناسي أجزاء أخرى.

  الدول العربية، باستثناء دول الخليج، خبرت أنظمة مختلفة، منها الجمهوري والاشتراكي والملكي والملكي الدستوري، ولم تحظَ بالاستقرار السياسي، وبالتالي لم تحقق الاستقرار الاقتصادي، وإذا وجدنا دولة حظيت بالرخاء الاقتصادي فذاك كان بسبب الثروات الطبيعية الهائلة وقلة عدد السكان وليس بسبب اختيار نظام حكم سديد، إذ غالباً ما كان النظام يعاني الاستبداد ومصادرة الحريات ويتحكم بثروات الشعوب فلا يعطيها إلا قوت يومها وحاجاتها الأساسية، وكان الشعب أمام خيارين، إما الاستمتاع بالرفاهية وإما الحرية، فاختار الرفاهية، لكنه عندما اختار الحرية خسر الرفاهية، وسادت الفوضى، والسبب عدم وجود التراكم الثقافي والمعرفي لعامة الشعب وعدم قبوله بالآخر. وكمحصلة نستنتج أن الاستقرار يعتمد على قبول الآخر.

لنتحدث عن دول الخليج العربي الآن،  ونقول إن دول الخليج العربية في معظمها تتبع النظام الوراثي منذ زمن بعيد، حتى قبل قيام دولها، ما شكّل تراكماً نوعياً تطوّر إلى شكل متكامل من المشاركة بين الحاكم والشعب، وباتت تمارس حرية لا تتمتّع بها دول تحتوي عشرات الأحزاب والكيانات السياسية والطائفية. وقد حققت معظم دول الخليج استقراراً في نظام الحكم أدى إلى تحقيق تنمية فريدة من نوعها، باعتراف العالم، تنمية في جميع مجالات الحياة، بل أصبحت رائدة في بعضها، وأصبحت النموذج التنموي لشعوب المنطقة، وفي الوقت ذاته، تفهم الديمقراطية الاجتماعية والسياسية فهماً متطوراً مما أدى إلى استقرار مجتمعي وسياسي قلما يوجد مثيل له. وتتمتع دولة مثل الإمارات العربية المتحدة بقانون يساوي بين الجنسين في الفرص الوظيفية والرواتب والامتيازات والتعليم، ولا يحتاج المواطن واسطة من زعيم ليتسلم وظيفة، فالكفاءة والخبرة هي المعيار، ولا يتوسل أو يتسوّل للحصول على حق العلاج والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، أو للدخول إلى الجامعة.

إن ممارسة النقد في الإمارات، على سبيل المثال، تكون من خلال تقديم المبادرات والأفكار والمقترحات، وتوصيل الشكاوى إلى الحاكم مباشرة، أو من خلال قنوات مدروسة. ونفهم النقد في الإمارات على أنه مشاركة في التطور نحو الأفضل والأجمل والأكثر استدامة، وكذلك تفعل دول المنطقة.

 المطلوب تغيير الصورة النمطية التي حملها البعض، وأن يقتنعوا بقدرات البدوي الذي انتقل من الصحراء ليبني مجتمع المعرفة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mjuzm3kz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"