«بروفايل» سريع لزكريا محمد

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ثلاثة شعراء، ارتبطت أسماؤهم معاً، بقصيدة الثمانينات، وببيروت: غسان زقطان، أمجد ناصر، وزكريا محمد.

أمجد وزكريا، يحملان اسمين مستعارين، وغسان، أبقى على اسمه واسم عائلته، أما قصيدة الثمانينات عند هؤلاء الثلاثة، فهي القصيدة المتحرّرة كلياً من الشعار السياسي، والأيديولوجيا واستغلال اسم فلسطين وتداعيات هذا الاسم على المنبر وأمام الجماهير.. بما كان يُسَمّى الهتاف، بل العصاب القرائي «الوطني» أمام حشود كانت تعتقد أن فلسطين سوف تتحرّر، فور أن ينزل الشاعر عن منصّة القراءة..

غسان، وأمجد، وزكريا، كانوا خارج هذه الفصيلة الحشودية الجماهيرية، ذهبوا معاً إلى قصيدة غنائية هادئة، خفيفة وثقيلة في الآن نفسه، بعيدة كلياً عن الارتجال التفعيلي ومصفّاة تماماً، بالتركيز واللغة المقتضبة النافرة من المبالغة والتهييج البلاغي السياسي..

اكتب مباشرة عن زكريا محمد، الاسم البسيط، المباشر، الخالي تماماً من لام التعريف العشائرية أو القبلية أو الزعاماتية، وبخاصة العشائرية السياسية الفلسطينية التي حوّلت فلسطين إلى سلعة وبدلة مدنية بربطة عنق في مثل غلاظة العنق، كما حوّلت تلك الزمرة السياسية فلسطين إلى بنك، وفندق، واستثمار، عدا عن صورة الهرولة، والتضخم، والانتفاخ النرجسي الذي رسمه جيداً ناجي العلي..

غضب زكريا محمد من كل هذه الحيثيات المباشرة على الهواء مباشرة، وأخذ الشاعر ابن قرية «الزاوية» يشعر كأنه غريب أو وحيد في هذا الأرخبيل المرعب والفاشل أيضاً، فأخذت تنمو في كينونته الشعرية «رفضية» أدبية أخلاقية لكل هذا الخراب الفلسطيني الذي فاقمته ثقافة الانقسام بين زعماء وأمراء «ثوّار» مسخوا بلادهم، وذاكرتها الثقافية، وابتعدوا عن الحقيقة الداخلية التي كان يؤمن بها الشاعر الشفاف أصلاً، لكنه لم ينكسر، وأخذ يعارض في وضح النهار كل هذه الطواويس الزعاماتية، وأبقى قلبه وثقافته وشخصيته إلى جانب كل ما هو ومن هو نظيف، وشعبي، وإنساني في بلاده..

ربما كان هذا «البروفايل» السريع لزكريا محمد أحد الأسباب الممكنة لراحة روحه الجميلة دائماً، لكن المفارقة التي تقتضي التهكم فعلاً.. أن زكريا محمد قبل شهور تعرّض للاعتقال في بلاده فلسطين، والسبب أنه كان يقف هو وزوجته على الرصيف يشاهدان احتجاجاً ما على سياسات مُعَيّنة، فاعتقلته الشرطة.. الشرطة الفلسطينية بالطبع، لكنه لم يلبث أن خرج من الاعتقال بعد جملة عالمية ربما كان سمعها عشائر السياسة في بلاده:. «.. هو أكبر من سجونكم، فأين ستضعونه؟؟»..

الغريب أن مثقفي العشائرية السياسية الفلسطينية ينعون قبل أيام زكريا محمد، ويقولون الجملة الرثائية الباردة المعتادة:.. «غيابه خسارة للثقافة الفلسطينية»!!.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/zm9c3p2m

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"