الكتابة خارج المنطقة

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

المنطقة العربية مكان خصب وثري للكتابة، كمقالات الرأي السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الفني، أو لكتّاب الأعمدة الدورية في الصحف والمجلات، أو للتحقيقات الميدانية بأنواعها كافة. ولسنا في معرض الإشارة إلى الحراك السياسي المهم في هذه الفترة بالذات، لا سيّما بعد تعرّض العديد من بلدان المنطقة لتحديات سياسية اقتربت من الوجودية، بمعنى مواجهة أكثر من نظام للتغيير والتبديل بعد ما سُمّي بالربيع العربي زوراً وبهتاناً، وما تبع ذاك الإعصار من تغييرات جغرافية وديمغرافية انعكست على العديد من الثوابت الفكرية والوطنية والبنى الاقتصادية، ولو ذكرنا موضوع الهجرات، الداخلية والخارجية، لوجدنا أنفسنا أمام ألف موضوع وموضوع، وألف قصة وقصة، وألف رواية ورواية، وكيف أثر ذاك الإعصار في أساليب التفكير، خاصة لدى الشباب، فمن كان عمره في العام 2011 عشر سنوات، أصبح الآن ثلاثة وعشرين عاماً، مستويات تعليمهم متفاوتة، ومنهم، وهذا ما يحز في النفس، لا يزال يعيش في مخيمات، تتحول شيئاً فشيئاً إلى مقر إقامة دائم، ويخشى كثيرون منهم أن يكون مصيرهم كمصير اللاجئين الفلسطينيين الذين مضى على لجوئهم حتى اليوم خمس وسبعون سنة، تحولت فيها المخيمات إلى شبه قرى، أو شبه مدن، ولم يحققوا حلمهم بالعودة إلى بلادهم، فلسطين، كما لم يحقق النازحون العرب، حلمهم بالعودة إلى بلدانهم، سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا، وغيرها، وولدت أجيال في النزوح، ولا أحد يعلم الثقافة التي ينشؤون عليها، أهي ثقافة وطنية أم ثقافة متشدّدة، ومن يدري ما ستؤول إليه الأمور بعد حين، لأن التنظيمات المتشددة لم تتوقف عن تعبئة الأجيال، والمخيمات بيئة خصبة ومناسبة للاستقطاب وتعديل التوجهات، إضافة إلى انتهاك حقوق الأطفال وتشغيلهم وابتزازهم اقتصادياً وأخلاقياً.

لقد أخذنا موضوع النزوح وسيطرته على السياق، لأنه لم يعد يلقى الاهتمام الكافي إعلامياً، كأنه أصبح أمراً واقعاً، شأنه شأن اللجوء الفلسطيني، ولا تتداول موضوع النزوح إلا المنظمات الأممية ذات الصلة مثل الأونروا واليونيسيف وغيرها، ولا نغالي إذا وصفنا تجمعات النزوح بالقنبلة الموقوتة.

في ظل هذا الواقع، يبرز اتجاه خطير بين الشباب العرب، باستثناء الشباب الخليجي الذي ينعم بالاستقرار والرعاية والاهتمام، هذا الاتجاه يتمثّل في الرغبة الشديدة في الهجرة، أي عملية بطيئة لتفريغ البلدان من طاقتها ومستقبلها، وشريحة لا بأس بها من الشباب تخاطر بحياتها في سبيل الوصول إلى شواطئ وحدود أوروبا. وهذا الاتجاه، مرة أخرى، يزلزل المبادئ الوطنية ويضع الولاء والانتماء أمام اختبار مصيري، بحيث أصبحت لقمة العيش هي معيار الانتماء والولاء. وباختصار، نحن نهدي العالم طاقته البشرية، ونساعده على الاستمرار في الريادة، وعن غير قصد على زلزلة القيم الأخلاقية، ولن نفصّل هنا.

في المقابل، لو استعرضنا ما يُكتب في صفحات الرأي في وسائل الإعلام العربية، سنجد تهرباً، يكاد يكون قصدياً، من الموضوعات العربية المهمة والمصيرية والعلاقات الثنائية العربية العربية، والتطرّق إلى موضوعات شبيهة في دول أخرى، رغم أن هذه الموضوعات التي نعنيها، لا علاقة لها بحرية الرأي والتعبير، لأنها محض إنسانية واجتماعية وثقافية وفكرية، ولا تلامس المحرمات والممنوعات ولا يحاسب عليها قانون الطباعة لأي بلد من البلدان العربية.

ما أحوجنا ككتّاب رأي ووجهات نظر ومقالات، إلى النظر حولنا، لنجد آلاف الأفكار، ولسنا في حاجة للنبش والاستقصاء والبحث، الموضوعات تمنحنا نفسها منحاً، وتناولها بإنسانية عالية ومسؤولية، يخدم إنساننا وأوطاننا وأنفسنا. ولا أعني أحداً بعينه ولا أشخصن الحالة، إنما هي محاولة لتسليط الضوء على المستقبل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ymnyh4dv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"