عادي

أزمة النيجر.. عجز أوروبي وأمريكي

22:32 مساء
قراءة 4 دقائق
النيجريون يرحبون بقادة المجلس العسكري

كتب: بنيمين زرزور

تؤكد معطيات الواقع على الأرض أن عودة رئيس النيجر المخلوع، محمد بازوم، إلى منصبه، ليست مضمونة، وأن قادة الانقلاب مصممون على التصدي لأي تدخل خارجي، وهو ما أكده قائدهم عبد الرحمن تشيابي، الذي أعلن حالة التأهب العامة بعد الحديث عن اختراق طائرة فرنسية الأجواء المغلقة للنيجر الأربعاء.

تستمر القنوات الدبلوماسية في النشاط، منعشة الآمال في حل للأزمة، بعد قمة «إيكواس»، أمس الخميس، في أبوجا. وقد عينت قيادة الانقلاب مساء الاثنين علي الأمين زين رئيساً جديداً للوزراء، بينما أنهت نائبة وزير الخارجية الأمريكي فكتوريا نولاند زيارة لنيامي التقت خلالها قادة الانقلاب، لكنها لم تسفر عن نتائج إيجابية لحل الأزمة.

وكانت مجموعة دول الجماعة الاقتصادية لغرب إفريقيا «إيكواس»، أعلنت قبل أسبوع أن قرار التدخل بالقوة اتخذ فعلاً، ولم يبقَ سوى تحديد ساعة الصفر.

ومن المرجح أن يغري التدخل العسكري، ليس فقط فرنسا، التي تنشر 1500 جندي في البلاد لمحاربة الإرهاب، ولكن أيضاً الولايات المتحدة، التي لديها حوالي 1100 جندي هناك، وتدير محطة طائرات بدون طيار من قاعدة النيجر الجوية 201. وقد يشهد العالم نزاعاً مسلحاً يحاكي ما يجري في أوكرانيا، خاصة أن هناك تقارير تفيد بتواصل الانقلابيين مع مجموعة فاغنر الروسية عبر مالي المجاورة.

وقد يكون أحد الأسباب الاستراتيجية لوجود قوات غربية في النيجر، هو الطاقة النووية. فالنيجر أحد أكبر موردي اليورانيوم في العالم؛ حيث توفر 25 في المئة من واردات أوروبا. وهذا يضعها في المرتبة الثانية عالمياً بعد كازاخستان.

ومعلوم أن موارد النيجر ذات أهمية خاصة لفرنسا؛ حيث تهيمن شركة «سومير» المملوكة بنسبة 64% لفرنسا و36% لحكومة النيجر، على إنتاج اليورانيوم في البلاد. وتشكل صادرات سومير 50 في المئة من واردات فرنسا من اليورانيوم.

تعهدات المجلس العسكري

وإذا استولت حكومة موالية لروسيا على السلطة في النيجر، فإن روسيا، المتحالفة مع الصين، ستكون قادرة على السيطرة على ما يزيد قليلاً على نصف إمدادات اليورانيوم في أوروبا، وجميع إمدادات فرنسا تقريباً. يضاف ذلك إلى قبضة موسكو الخانقة على إمدادات الغاز الطبيعي والنفط، وهذا يعزز قدرة موسكو على إحكام حصار الطاقة لقطع الدعم الأوروبي عن أوكرانيا.

من هنا، سارع المسؤولون الغربيون لاتهام النفوذ الروسي بالإطاحة بحكومة النيجر الموالية للغرب. ذلك أن القضاء على النفوذ الغربي في النيجر من شأنه أن يخدم المصالح الروسية لدرجة أن الكثيرين يرتاحون لاستنتاج أن الانقلاب كان نتاج تدبير الكرملين. ويدعم هذا الاستنتاج وجود مجموعة فاغنر الروسية في الدول المجاورة، بما في ذلك مالي؛ حيث أطاح انقلاب عسكري مماثل أيضاً بحكومة منتخبة موالية للغرب.

قد لا يوجد دليل ملموس على مثل هذه الاتهامات، خاصة أن عملية الانقلاب والسلوك اللاحق للمجلس العسكري في النيجر يعززان الانطباع بأن الأحداث كانت لأسباب محلية، وكانت إلى حد كبير غير مخطط لها.

ومنذ توليهم السلطة، قطع قادة الانقلاب تعهدات بأنه لا يوجد تغيير فيما يتعلق بتعاونهم الدولي. وتكمن مشكلة القوى الخارجية في أن الانقلاب العفوي يكاد يكون أخطر من الانقلاب المدبر إذا أسيء التعامل معه.

وقد وضعت تصرفات المجلس العسكري بقية القيادة العسكرية في مأزق مماثل. فإذا دعموا الرئيس المخلوع محمد بازوم، فسيتعين عليهم معاملة الضباط العسكريين الذين تمردوا على أنهم خونة.

هذه الديناميكية هي ما يجعل الوضع محبطاً بالنسبة للغرب، والفشل في التصالح مع الوضع، يهدد بالتحفيز على استيلاء روسي على النيجر. ذلك أنه لا يمكن لجيش النيجر إعادة الحكومة التي أطاح بها. ومن خلال المطالبة بمثل هذا الحل، فإن الغرب وحلفاءه الإقليميين سوف يضطرون إلى اللجوء للقوة أو الهروب من الميدان.

نذكر هنا أن جيش النيجر يتلقى تدريبات غربية منذ زمن طويل. ويقول العميد موسى سالو بارما، قائد قوات العمليات الخاصة في النيجر وعضو قيادي في المجلس العسكري، الذي تدرب في جامعة الدفاع الوطني فورت بينينج بولاية جورجيا الأمريكية، إنه يلتقي الأمريكيين بشكل دوري، وآخر مرة كانت في الشهر الماضي عندما التقى قائد قيادة العمليات الخاصة بالجيش الأمريكي في القاعدة الجوية 201.

وإذا كان بارما ورفاقه على تواصل مع الروس، فهذا دليل فشل ذريع للاستخبارات الأمريكية، ومكتب التحقيقات الفيدرالي. وعندما يواجه هؤلاء الضباط الاختيار بين خيانة رجالهم وتدمير الجيش الذي عملوا على بنائه، أو السعي للحصول على مساعدة روسية وصينية، فإن الخيار الأخير هو المسار المرجح.

عقوبات «كارثية»

والمؤكد أن الغرب لم «يخسر» النيجر حتى الآن. ولكن إذا تم اتباع سياسة تدخُّل سيّئ التصميم، فمن المحتمل أن يجبر حكام النيجر الجدد على الاصطفاف مع أعداء أمريكا في موسكو وبكين، بينما يحتمل أن تزج القوات الأمريكية في صراع مباشر وطويل الأمد.

وعلى الرغم من تحذير رئيس وزراء بازوم من المنفى في باريس من أن العقوبات التي تهدد بها «إيكواس» ستكون «كارثية»، رحب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بهذه الخطوة. وأعلن بلينكن: «إننا ننضم إلى الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والقادة الإقليميين في الدعوة إلى الإفراج الفوري عن الرئيس محمد بازوم وعائلته، وإعادة جميع مهام الدولة إلى الحكومة الشرعية المنتخبة ديمقراطياً». وأعقب إعلان «إيكواس» التدخل بالقوة تصريحات تحدٍّ من المجلس العسكري، الذي أعلن المتحدث باسمه، «نريد أن نذكِّر مرة أخرى الإيكواس أو أي مغامر آخر، بتصميمنا الراسخ على الدفاع عن وطننا».

قد يكون إسقاط بازوم بمنزلة نكسة لكل من السياسة الغربية في النيجر والتحول الديمقراطي فيها. ومع ذلك، كان الرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفلت محقاً عندما نصح خلفاءه بالقول: «تحدثوا بهدوء، لكن احملوا عصا غليظة».

وإذا لم تلتزم الولايات المتحدة بدعم قوة فرنسية أو نيجيرية كافية لهزيمة جيش النيجر وإعادة بازوم إلى السلطة، أو زج قواتها في حالة عدم كفاية القوات المتحالفة، فإن التدخل غير الناجح أو حتى التهديد لن يؤدي إلا إلى تحقيق أسوأ النتائج، وهي دفع المجلس العسكري في النيجر إلى أحضان بوتين وشي جين بينغ، مع تأكيد جديد على العجز الأمريكي في المنطقة، لتعود الأزمة إلى المربع الأول.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdcwyzmj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"