الإرهاب مرة أخرى

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

تتصرف الدول الكبرى التي قادت التحالف ضد الإرهاب وكأنها قضت على التنظيمات المتشددة وألقت القبض على زعمائها وشتتت مقاتليهم وكياناتهم، بينما هذه التنظيمات أو الجبهات، لا تزال تعمل على الأرض بشكل واضح وأمام عيون المجتمع الدولي، بل وتعلن عن فتح باب التطوع أو الالتحاق بكياناتها العسكرية، وتقيم ما يشبه الدول في الأماكن التي تسيطر عليها، وتطبق قوانينها التي تدّعي ارتكازها إلى الشريعة الإسلامية. وقد اطلعت على أحدث تقرير نشرته صحيفة الغد الأردنية عن «دولة» لجبهة النصرة في إدلب شمال سوريا، تقوم بتعليم مناهجها الخاصة في المدارس، غير المختلطة طبعاً، وتطبّق ما تسميه الشرع في الحياة العامة، ويصف التقرير حياة الناس كأنهم تحت سلطة قمعية متوحشة تُنتهك فيها حقوق المدنيين رجالاً ونساء وأطفالاً، بل إنه يتحدث عن الاتجار بالسبايا غير المنتميات إلى الإسلام، كالنساء الإيزيديات والمسيحيات، فتتم عمليات شراء وبيع لتلك النساء في ما يشبه العبودية وتجارة الرقيق، إضافة إلى التعسّف ومصادرة الحريات وتطبيق الحد، وزج النساء في سجون تحت الأرض، وهي السلوكيات والممارسات ذاتها التي كان يمارسها تنظيم داعش الإرهابي في مدينة الرقة السورية والقرى المحيطة بها على سبيل المثال.

لم تعد كبريات الصحف في العالم تنشر قصصاً أو تحقيقات عن هذه الدويلات المتوحشة، ولا عن تجارة الرقيق، ولم يعد زعماء العالم الكبار يتطرقون إلى الإرهاب ومحاربته، بينما لا يزال ينتشر ويتمدد، وإن ببطء، في محافظات عديدة داخل سوريا وغيرها، إذ نسمع بين فترة وأخرى عن عمليات ل«داعش» في العراق وليبيا ومصر وأفغانستان وباكستان، وتمر تلك الأخبار مرور الكرام، ويتم التعامل معها كأخبار حوادث السيارات والدهس.

لقد شاهدت قبل أسبوعين تقريباً شريط فيديو يظهر مراسلة صحفية لا تضع غطاء على رأسها، تحاول الدخول إلى مخيم للنازحين، فيمنعها الأطفال بحجة أنها غير محجبة وأنها كافرة، وحين سألت أحدهم: ماذا ستفعلون بي لو تمكنتم مني؟ فأجابها: سنقتلك. وتظهر هذه القصة الجهة التي تدير مخيم النازحين وتقوم بتثقيف أبنائه، ما يجعلنا نعتقد أننا أمام جيل ناهض مهيأ تماماً لممارسة التطرف في أبشع أنواعه. وفي الوقت ذاته، يحظى هذا المخيم برعاية أممية ويتلقى مساعدات عينية ومادية، بينما تُترك مناهج تربيته للتنظيمات المتشدّدة، ما يعني أننا أمام قنابل موقوتة قد تنفجر في أي وقت، والسكوت عن ما يجري داخل بعض مخيمات النازحين من أي تدخل، هو أشبه بمؤامرة خطيرة ومغامرة غير مأمونة العواقب، خاصة أن هناك مخيمات نازحين على الأراضي السورية واللبنانية والعراقية والأردنية، ويتم التعامل معها كأمر واقع، كما فعلت الأمم المتحدة بمخيمات اللاجئين الفلسطينيين، التي ثبتت في مكانها لأكثر من سبعين عاماً. فهل هذا سيكون مصير النازحين السوريين وغيرهم في الدول العربية.

وعودة إلى «دولة إدلب» التي تديرها جبهة النصرة أو هيئة تحرير الشام، لا بد أن نطرح قضية تمويل هذا التنظيم، إذ من المستحيل أن يعتمد على الضرائب وبيع السبايا، ونظن وجود جهات تنتهك الحرب ضد الإرهاب وتقوم بتمويله، وربما تسهيل تسليحه، في الوقت الذي جرى الحديث عن تجفيف منابع تمويل الإرهاب.

لا أريد أن أصدّق أن ما يمنع محاربة المتشددين المتطرفين هو انشغال العالم بالحرب الأوكرانية الروسية، أو بالحرب السودانية، أو بالانقلاب في نيجيريا، لأن هذه المناطق، التي إذا طال النزاع فيها، ستخلق إرهابييها ومتشدديها، وسيجد العالم نفسه مرة أخرى أمام إرهاب من نوع آخر، قد يكون أكثر فتكاً وانتهاكاً لحقوق الإنسان.

استمرار الواقع الحالي، من دويلات للمتشددين، ومخيمات للنازحين، لن يخدم أحداً، ولا حتى الجهات التي أنشأت تلك التنظيمات، والتجارب السابقة تثبت ذلك، إلا إذا كان هذا الواقع يشكّل مصلحة لجهة بعينها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckwuenz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"