إيمان الهاشمي
ثمة شموعٌ تلاحقني، أنا لا أمزح! فها هي أمامي تلهث وتتصبب «شمعاً» ذائباً على جبهتها الشمعية! اكتشفتُ أثناء هروبي أنها تملك قدمين أسرع مني بكثير، يبدو أنني استيقظتُ باكراً وخرجتُ تاركاً قدميّ نائمتين على سريري، يجب أن أذهب لأوقظهما فوراً، هيا استيقظا! يا إلهي ترى هل ماتت قدماي؟ كيف أدفنهما وحدي؟ أتراني سأبيعهما رفاتاً إلى أحد تجار القنوط في لحظةٍ بائسة، أم تراني سأتبرع بهما إلى طالب طبٍ كسول يدرس علم التشريح، يا للوقاحة! كيف قررتا بالنيابة عني ألاّ أنهض من جديد! حسناً لا عليكم؛ فهذا ليس سيناريو لفيلم رعبٍ جديد، وإنما بعض ما يدور في رأس المصاب باضطراب ثنائي القطب Bi-Polar، المرض الذي أكد أغلب الباحثين إصابة أعظم ملحن عرفه التاريخ به، ولا يزال اللغز قائماً!
رفع أنامله الصغيرة بثقةٍ طفولية يلامس تفاصيل وجه البيانو، كأمٍ تتحسس ملامح طفلها لأول مرة، دغدغ مفاتيح آلته بعبقرية فضحكت أوتارها أنغاماً تحاور الوجدان بهدوءٍ مريح، وإن صدحت في بيئةٍ تتحدث الصخب بطلاقة، وتغرق في براثن القسوة بين صرامة والده، وموت إخوته، وانكسار خاطره، وتدهور حالته الصحية الدائم، والحقيقة أنه لم يكن يوماً أصمّ، وإنما أحكمَت الحياة سد أصابعها في أذنيها لئلا تسمع أمانيه حد الصمم، فأهدته حمى التيفوس في بداية عقده الثالث ليضعف سمعه شيئاً فشيئاً، إلى أن انتزعته نهائياً في عقده الأخير، لتقيم له جنازة ضخمة تليق بمقامه الفني الضخم، لكن قبل دفن جثمانه ميتاً، تأكّدت من دفن قلبه حيّاً بركل حبيبته لمشاعره بقوة، واستنزاف أمواله في سبيل علاج أخيه دون جدوى، كما وزّعت عليه طباعاً حادة مجاناً بعكس ألحانه الرقيقة، ثم أكملت نشازها عبر نوتة قاتلة باسم (ثنائي القطبين)، وهو مرض يتراوح بين النفسي والعقلي، ومن أعراضه التنقل المفاجئ بين شدة الفرح والغضب والحزن في زمنٍ قياسي يُضني عقارب الساعة، ويفوق قدرة استيعاب العقل البشري.
نتعلم من الغني عن التعريف (لودفيج فان بيتهوفن)، أننا جميعاً نتعرض للانكسارات وقسوة الهزيمة، ولكن قوة العزيمة وحدها ما يحدد الإنجازات العظيمة، فأنتَ من يُحدد كل ما ترى! وليس كل ما ترى يحددكَ أنت! لكن لا تغمض عينيك ثم تشكو العمى من شدة الظلام! ولا تفتحهما فوق طاقتهما ثم تشكو العمى من شدة الإضاءة!
الاسم: لودفيج فان بيتهوفن
التاريخ:
1770 – 1827 (57) سنة
الجنسية:ألمانيا
النشاط:موسيقي
من أعماله:Für Elise
