عقارات الصين.. إلى أين؟

21:55 مساء
قراءة 4 دقائق

من المحتمل أن تكون عملية تمويل وتسييل سوق العقارات الصيني خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، واحدة من أكثر قصص تكوين الثروات الهائلة إثارة في التاريخ. لكن ملامح نهاية هذه الحقبة بدأت بالتشكل اليوم، بحسب ما تشير إليه التقديرات الحالية، ويبدو أن لحظة الحساب اقتربت بالنسبة لمطوري العقارات وأصحاب المنازل والحكومة على حد سواء.

لقد أصيبت الأسر في جميع أنحاء الصين بالذعر مؤخراً، فالشركة التي تبني شققهم، «كانتري غاردن» وهي واحدة من أكبر مطوري المنازل في العالم، تخلفت عن سداد 22.5 مليون دولار من مستحقاتها، وأمامها وقت قصير لتدارك الأمر أو ستحذو حذو مئات المطورين الآخرين في حالات التخلف عن السداد وإعادة الهيكلة، وعلى رأسهم «إيفرغراند».

صحيح أن ديون «كانتري غاردن» أقل من ديون «إيفرغراند»، والتي تخلفت عن السداد في 2021، لكن منذ بداية العام الجاري، بنت الأولى أربعة أضعاف أعداد المنازل التي كانت تبنيها الأخيرة قبل أن تتعثر. وإذا ما أخذنا معدلات التسليم السابقة للنصف الأول من عام 2022، والانهيار المفاجئ للديون الحاصل حالياً بعين الاعتبار، لن يحصل 144 ألف مشترٍ على الأقل على مفاتيح منازلهم التي وُعدوا بها بحلول نهاية هذا العام.

ولفهم الأزمة التي تجتاح قطاع العقارات في الصين، فإن الأمر يستحق العودة قليلاً إلى الماضي، وتحديداً للخمسين عاماً الأولى من عمر الجمهورية الشعبية. حيث لم يكن لدى الصين سوق عقارات على هذا النحو، وكان سكان الحضر يعتمدون على أرباب العمل الحكوميين لتوفير السكن، ولم يكن هناك شركات تطوير عقاري خاصة، لأن جميع الأراضي الحضرية كانت مملوكة للدولة بموجب الدستور.

وفي أواخر الثمانينيات، بدأ قطاع العقارات بالإقلاع، وذلك عندما نصح المتخصصون في هونغ كونغ المسؤولين داخل البر الرئيسي الصيني في شينتشن وشنغهاي أن يبيعوا «حقوق استخدام الأراضي» للمستثمرين كجزء من عقد إيجار طويل الأجل. وعلى الفور تبنّت الحكومات المحلية في الصين الفكرة، ووجدتها مصدراً ممتازاً لجمع الأموال التي تشتد الحاجة إليها. وبالفعل، كانت تلك الحكومات الرابح الأكبر في هذه العملية، إذ أدركت متأخرة أنها تجلس على كومة هائلة من الثروات، ولتصبح الأراضي «المملوكة للدولة» فجأة قابلة للبيع.

ونتيجة لذلك، أطلقت بكين عام 1998 سوق العقارات في جميع أنحاء البلاد رسمياً. وسُمح لمئات الملايين من الأسر الحضرية بشراء وامتلاك الشقق الجديدة، مما أدى إلى طفرة مذهلة في القطاع بفضل التوسع الحضري الحاصل في البلاد آنذاك، وسرعان ما أصبحت العقارات أهم محرك للنمو الاقتصادي في الصين.

وفي فترة زمنية قصيرة للغاية، تغير المشهد الحضري هناك بشكل دائم. وفي بعض الحالات، سوّت الحكومات البلدية أحياء قديمة بأكملها على الأرض لبناء أحياء جديدة، والسبب الأساسي لمشاريع التحضر تلك، كان جني الإيرادات الضخمة من هذه الأصول أو الأعمال التطويرية.

بدورها، استفادت الأسر الحضرية الصينية من التغييرات التي اجتاحت المناظر الطبيعية. وحصد أولئك الذين يمتلكون بالفعل شققاً في المدن والأحياء، سواء كانت موروثة أو مخصصة من قبل الدولة، مكاسب مالية غير متوقعة جرّاء الزيادة الحادة في أسعار العقارات.

ووفقاً لمسح أُجري العام الماضي، شكّلت العقارات أكثر من 70% من ثروة الأسرة في الصين. وفي المدن الكبرى مثل بكين وشنغهاي وشنتشن، يعتبر مالك الشقة، مهما كانت قديمة، مليونيراً، على الأقل ورقياً.

لقد ساهمت الطفرة العقارية الحاصلة بتمويل الاقتصاد الصيني، وبالنتيجة، ازدهرت الصناعة المصرفية، مما أدى إلى انتشار المنتجات المالية المدعومة بالعقارات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن سندات العديد من الأدوات المالية للحكومة المحلية الصينية مدعومة بقيم العقارات الحقيقية. لذا، عندما نقول إن قطاع العقارات يمثل فقط 30% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، يُعد استهانة بالواقع إلى حد ما، فزواريب ومداخل تمويل الأراضي والعقارات هي في جوهر المعجزة الاقتصادية الصينية للربع الأول من القرن الحادي والعشرين.

ومع ذلك، فإن هذه الوفرة تعتبر «هشة» لأنها لا يمكن أن تستمر إلا من خلال الارتفاع المتواصل في أسعار المساكن. لأنه إذا ما جف الطلب، بما في ذلك «الطلب الحقيقي» لتحسين ظروف الإسكان أو الاستثمار في توقع ارتفاع الأصول، ستبدأ الأسعار بالانخفاض وسيبدأ الهيكل الاقتصادي بأكمله بالانهيار. وقد أدركت بكين ذلك منذ عدة سنوات عندما حذرت من أن أسعار المساكن «لا يمكن أن ترتفع عنان السماء».

ومن إحدى المشكلات الكبيرة المنبثقة عن سوق الإسكان في الصين اليوم، هي أن تلك الطفرة قد أتاحت الاقتراض النهم، فراكم الجميع، بما في ذلك الحكومات المحلية والمطورون والأسر، ديوناً بمعدلات مذهلة.

بالنسبة للحكومات، فهي تعتبر مفلسة من الناحية الفنية. وبالنسبة للأسر سيصبح ضغط سداد الديون أكثر شدة مع تباطؤ الاقتصاد وانتقاله إلى منطقة الانكماش. أما بخصوص المطورين، سيكون استمرار أعمالهم بمثابة صراع وتحدٍّ حقيقي.

نعم، لربما تتمكن الصين من تجنب انهيار سوق العقارات لديها، لكن لم يعد بإمكان هذا القطاع أن يكون المحرك الذي لطالما دعم اقتصادها في السابق.

* مقال في صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/k88umjr7

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"