فعالية السياسة الخارجية الإماراتية

د. صلاح الغول *
في غرة سبتمبر/ أيلول الجاري، غرّد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، مشيداً بفعّالية الدبلوماسية الإماراتية على الساحة الدولية، ولاسيما عن طريق دورها في مجلس الأمن. وكان قرقاش يشير إلى الدور الإماراتي في تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وتصويتها لمصلحة قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2695). وقد تضمن قرار التجديد عدداً من المقترحات الرئيسية التي تقدمت بها دولة الإمارات، أهمها تعزيز استقلالية عمل القوة الأممية، ومسؤولية الحكومة اللبنانية في تيسير حرية حركة القوة إلى جميع المواقع بمناطق عملياتها من دون عوائق، ووصولها إلى ميادين الرماية غير المصرح بها، والحفاظ على ضرورة عدم تقييد أو إعاقة «الدوريات المعلنة وغير المعلنة» لقوة «يونيفيل».

علاوة على ذلك، تبذل دولة الإمارات مساعيها الحميدة بين أطراف مفاوضات سد النهضة الثلاثة (إثيوبيا ومصر والسودان)، ولاسيما بين مصر وإثيوبيا؛ من أجل إقناع أديس أبابا بالوفاء بالتعهدات التي جاءت في القمة الثنائية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في القاهرة، في يوليو/ تموز الفائت. وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، قد رحّب بالخطوة الإيجابية الخاصة بالاتفاق بين مصر وإثيوبيا على انطلاق المفاوضات للتوصل إلى تسوية بشأن ملف سد النهضة، معرباً عن تمنياته أن تصل هذه المفاوضات إلى حلٍّ مُرضٍ لجميع الأطراف، وبما يعزز التعاون فيما بينها، ويدعم الاستقرار في المنطقة. ولذلك، شدّد مستشاره الدبلوماسي، في منشوره على منصة (إكس) المشار إليه آنقاً، على أنّ دولة الإمارات تسعى دائماً إلى أن تكون جسراً للاستقرار والسلام، مستندة في ذلك إلى مبادئ سياستها الخارجية في مرحلة الانطلاق، في ظل القيادة الرشيدة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، التي أعلن عنها في نوفمبر 2022.

وأول هذه المبادئ هو تعزيز الازدهار والأمن الوطني؛ عن طريق اقتراب يزاوج بين القيم القومية والمصالح القومية، مع الأخذ في الاعتبار ضرورات البراغماتية لدولة متوسطة. وثانياً، تُركز السياسة الخارجية بثبات على دعم الازدهار الاقتصادي طويل الأمد، وتعزيز القوة الناعمة للدولة.

ويتعلق المبدأ الثالث بالاستثمار في الأمن والاستقلال «الاستراتيجي» الخارجي عن طريق اقتراب متعدد الأبعاد، يقوم على المزاوجة بين استراتيجية الاعتماد على الذات (بناء قدرات دفاعية فعالة) والتحالف (تعزيز القدرات الدفاعية بمشاركة الحلفاء، وعلى رأسهم دول مجلس التعاون، وخلق شراكات مع شركاء أمنيين لاحتواء التهديدات، مع الأخذ في الاعتبار أن الشراكة الاستراتيجية الرئيسية تظل مع الولايات المتحدة.

وتعمد دولة الإمارات إلى الحفاظ على علاقات استراتيجية واقتصادية متوازنة ومتنوعة في النظام العالمي المتغير. وهذا المبدأ الرابع من مبادئ السياسة الخارجية الإماراتية يشير إلى أهمية تنويع الشركاء على المستويين الدولي والإقليمي، في المجالات الاستراتيجية والاقتصادية. وتشتمل الشراكات الإماراتية شراكات شاملة مع الدول الكبرى، مثل روسيا والصين واليابان، والدول الإقليمية، ولاسيما الهند وتركيا وغيرهما.

علاوة على ذلك، تسعى الدبلوماسية الإماراتية إلى دعم وتمكين خطاب الوسطية ومكافحة التطرف وتعزيز ثقافة التسامح والانفتاح وتمكين المرأة في المنطقة. كما تجاهد السياسة الإماراتية، ولاسيما دبلوماسية القمة التي يقودها صاحب السمو رئيس الدولة، إلى خفض تصعيد الصراعات والتوترات في المنطقة وما بعدها، عن طريق دعم الحلول السياسية، وفي مقدمتها الوساطة والمساعي الحميدة؛ وهو ما تجلى في الدور الإماراتي في مشكلة سد النهضة، والوساطة الإماراتية-السعودية المشتركة بشأن الإفراج وتبادل مسجونين بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، والوساطة الإماراتية في تأمين سلامة الجنود المصريين الذين احتجزتهم قوات الدعم السريع في إبريل/ نيسان المنصرم، وفي الحرب الروسية -الأوكرانية، ولاسيما لجهة تبادل الأسرى بين الطرفين، والوساطة بين الأطراف الليبية المختلفة.

ويتصل بذلك أن دولة الإمارات تعمل بجدية لمواجهة فراغ القوة في الإقليم، وهو المبدأ السابع، عن طريق دعم نظام حوكمة أفضل وأكثر شمولاً، والتركيز بشكل أكبر على تلبية التطلعات الاقتصادية للناس، والحفاظ على الدبلوماسية متعددة الأطراف والتحرك لحلول سياسية سريعة وتدابير انتقالية تحافظ على الاستقرار. ويُعزز ذلك اتجاه دولة الإمارات إلى زيادة الانخراط في المنظمات الدولية لتعزيز موقفها الاستراتيجي والاقتصادي ومواجهة التحديات العالمية المشتركة، وعلى رأسها تغير المناخ. وما استضافتها مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28) في نهاية العام الجاري والوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا) إلا دليل على ذلك.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية
*[email protected]