في ما يتجاوز رئيس جمهورية لبنان

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

استدارت الأساطيل ونشطت التحالفات الدولية عبر المتوسط نحو الشرق قبالة نيران الحروب بين روسيا وأوكرانيا، وتورّمت التصريحات المتبادلة بحروبٍ عالمية كان يمكن التفكير في استحالتها، لا لأن شعوب الأرض ترفضها قطعاً لو اتّفقنا بأن الشعوب باتت تكره الحروب بعد الحرب الثانية، بل لأنّ ثمرة المفاجآت الكبرى لتلك الاستدارات جاءت من قمّة العشرين (9-10 أيلول/سبتمبر 2023) التي ربطت الشرق بالغرب ومضت نحو مؤشّرات مفاجئة واتّفاقات مبدئية لاستكشاف مشروع للنقل عن طريقي البر والبحر سيتيح تدفّق التجارة والطاقة من الهند إلى أوروبا عبر الشرق الأوسط، تأسيساً لملامح نظام عالمي اقتصادي جديد.

وقفز السؤال الرسمي والإعلامي: أين لبنان؟ سؤال صفع لبنان الضائع واللبنانيين فوق جبهتهم، وقد أدمنوا الدوار، وكأنهم في أودية العالم يهيمون.

سحبتني ردود الفعل الجامعة للتفكير مجدّداً في ضياع لبنان الكامل متجاوزاً ذاك الدوار في البحث المستحيل عن رئيس جديد للجمهورية، ووجدتني حيال ثوابت صلبت لبنان وتفاعلت ولم تنتهِ منذ حرب تمّوز/يوليو 2006، وما أورثه ذلك من مفاجآت خارقة خلافاً للحروب الخمسة 1948 و1956 و1967 و1973 التي جاءت ثقيلة بنتائجها السلبية. اختلف اللبنانيون وتباينت مواقف الأنظمة وشعوبها والدول بحصر النتائج التي تأرجحت نصراً أو صموداً عبر أوصاف متلونة لم تُضف كثيراً لجمع اللبنانيين. 

بانت المسائل كارثية، سواء عبر تثبيت الأسباب المباشرة للحروب أو عبر المعارك، فتشوّش التفاهم الوطني في نتائج تلك الحروب وتقييمها حتى الآن. هكذا ظهرت شروخ كبرى تُعمّق الحفر بين فئات اللبنانيين إلى حدٍّ صاروا محكومين بتوجيهاتٍ خارجية متغيرة ومتناقضة أورثت تفكيكاً حتى بالهوية الوطنية لا السياسية وحسب. 

وبقيت الانقسامات تذكّي المزامير المستوردة تركيزاً للفتن الطائفية، لأنّ ما حصل ويحصل، وعلى الرغم من تداعياته وخسائره بين أحزاب اللبنانيين، ما زال يرتكز منذ عام 2000 على «وَتَدَيْن» باقيين في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا كما في الألسنة والإعلام يحضران عند ترسيم الحدود، وكأنهما لازمة لسكب الماء فوق بذور التنافر والانقسام بين الأحزاب والطوائف اللبنانية.

هكذا يشعر اللبنانيون بأنفسهم وكأنهم خارج التاريخ الجديد ومفاجآته وهم بحاجةٍ إلى زمن هادئ عقلاني طويل لحسن قراءة هذه الأحداث، ولهذا تصبّ كل الانشقاقات للمطالبة بل للمباركة بقائد الجيش رئيساً للجمهورية كما نشرنا سابقاً. صحيح أنّ حقن الرأي العام بالحملات الإعلاميّة ساهم في توسيع التفسّخات المذهبية المتباينة التي كان يمكن أن تأخذنا مجدداً إلى مؤتمرٍ إقليمي دولي درءاً للحروب، وبسبب من إشاعة المتناقضات والتحديات، صار من المتعسّر الكتابة والتلاقي حتى في الدروس والعبر العسكرية والسياسية والنفسية لما يمكن استخلاصه من حربي ال2000 وال2006.

السبب المنطقي الأوّل الذي حال ويحول دون ذلك هو أنّ الفاصل الزمني الذي يفصلنا عن وقف الحروب ما زال هشّاً. وجاء التجديد الأخير لقوات اليونيفيل في لبنان لسنة جديدة 2024 مؤخّراً عسيراً في مجلس الأمن الدولي وفق مظلّة القرار 1701 كمؤشر لحفظ السلام، على الرغم مما أورثه القرار من غموضٍ وانقسامات واجتهادات في رسم تحركات قوات الطوارئ ومهماتها وعلاقاتها التنموية بأهالي الجنوب.

ألا يُطرح السؤال عن أسباب الاهتمام العالمي السريع والمتعاظم بثروات لبنان الغازية والنفطية وفض ملف ترسيم الحدود البرية مع إسرائيل دون الشروع لرسم ملامح جديدة لمستقبل الصراع إذ تتبدّل المفاهيم والظروف؟

في الجواب، كان اللبنانيون منقسمين حول قانون محاسبة سوريا، كما هم بالنسبة إلى تدفّق النازحين الراهن والمُقلق نحو لبنان، مروراً بالقرار 1559 وخروج القوات السورية وانقسامات اللبنانيين بعد فشل الجلسات التسع للحوار الوطني اللبناني الذي انطلق في 2006/3/2 تحت قبة البرلمان، ويلحّ عليها الرئيس نبيه بري مجدداً لا بحثاً عن صيغة مستقبلية خاصة بالدفاع الوطني اللبناني، بل لحوار البرلماني عن التوافق المعقّد لتسمية الرئيس الجديد للجمهورية. يدورون جميعاً حول أنفسهم نحو مستجدات تقلب الوقائع رأساً على عقب، وتحفظ زواياهم الضيقة مع أنّ منطق الحروب يبقى ساقطاً خلافاً لمعظم التحليلات والتوقعات.

لماذا سقط منطق الحرب؟ لأنّ منطق التحالفات الدولية الجديدة بات اقتصادياً يتجاوز منطق صيد الأسماك والدول أو سحب الثروات من أعماق البحار والمحيطات تسترخي الأساطيل والدول، لكنّ العقد والانقسامات تتراكم طبقات طبقات وستطفو أكثر فأكثر بانتظار مستقبل الأوضاع بين العراق وسوريا ولبنان الذي يودّع موفداً فرنسياً ليستقبل موفداً قطرياً في ما يتجاوز كرسي الرئيس في قصر بعبدا المحسوم إلى حين فتور الصراعات المرضية في اقتسام السلطات وتوزيع المناصب والمنافع واجتثاث حقوق الناس الذي لا يمكن التنبؤ بنتائجه بعد، إذ لهذا مباحث في بقعةٍ أدمنت سياسات الانقسام والانتظار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3e5u8yzh

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"