رسالة البابا من ضفة المتوسط

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

قصد البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، الضفة الأوروبية من البحر الأبيض المتوسط، ليقول كلمة حق شُجاعة لا يريد الساسة الأوروبيون سماعها، والمغزى بليغ في اختيار البابا لبلدان ومدن تقع على المتوسط بالذات، فالضفاف التي أتاها هي التي يلجأ إليها المهاجرون من إفريقيا، ومن بلدان أخرى، بينها بلدان عربية، نُكبت بالحروب والصراعات الدامية، وبالفقر والحرمان من أدنى شروط الحياة الإنسانية، بحثاً عن بصيص أمل يلوح لهم على الضفة الأخرى من البحر، مخاطرين بحياتهم، انطلاقاً من شعور موجع بأن الهلاك سيكون مصيرهم حتى لو بقوا في بلدانهم الأم.
قبل أيام تداولت وسائل الإعلام تصريحاً قاله مهاجر سوري قبل أن يلقى حتفه في فيضانات شرقي ليبيا، إنه كان يعلم بأنه قد يغرق في البحر، ولكنه رغم ذلك لم يجد مخرجاً سوى الهجرة، لعلّ وعسى، كأنه كان يتنبأ بنهايته المحزنة، وهذه العبارة هي لسان حال عشرات، بل ومئات آلاف المهاجرين المغامرين بحياتهم.
وصف البابا البحر الأبيض المتوسط ب «مقبرة إفريقيا»، ويكفي أن نعلم أن في مياه هذا البحر قضى أكثر من 2000 شخص غرقاً هذا العام فقط، فضلاً عن عشرات الآلاف الذين غرقوا في البحر نفسه خلال السنوات الماضية. وحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإن أرقام الوافدين إلى الساحل الإيطالي وحده ارتفعت إلى 126 ألفاً منذ بداية السنة، مقارنة ب 66 ألفاً خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
كان البابا واضحاً وشجاعاً في وصفه أوروبا بأنها «قارة تمزقها الأنانية القومية»، وهي العبارة التي قالها في زيارة سابقة له، قبل عامين، إلى اليونان، التي كانت تعتبر أحد المنافذ المهمة للمهاجرين الوافدين على أوروبا مروراً من تركيا، وفي زيارته الأخيرة إلى مرسيليا قال البابا: «عار على المجتمع، لم يعد يحزن على الآخرين ويشفق عليهم»، واضعاً إصبعه على الجرح الموجع، حين طالب أوروبا إلى تجاوز أنانيتها، التي «تقود إلى عواقب كارثية»، داعياً «إلى التركيز على أسباب الهجرة مثل «الحروب المنسية»، عوض تسليط العقاب على أولئك الذين يتأثرون بنتائجها (..) يجب مهاجمة الأسباب البعيدة، وليس الفقراء الذين يدفعون ثمن العواقب ويتم حتى استغلالهم لأغراض الدعاية السياسية».
ولو نظر الناظر إلى أسباب اندلاع واستمرار الحروب التي وصفها البابا ب «المنسية» سيجد أن الغرب الذي حوّل موضوع الهجرة إلى حالة من كراهية الآخر، ضالع، بصور مختلفة، في كل هذه الحروب، موظفاً التناقضات الداخلية في البلدان التي تندلع فيها، ليبقيها غير مستقرة، ما يسهل عليه مواصلة نهب ثرواتها، وتوسيع دائرة نفوذه في لعبة التوازنات الدولية والإقليمية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrvcn6ep

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"