مأزق النظام السياسي الأمريكي

00:48 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

تعيش الولايات المتحدة حالة من الانقسام السياسي غير المسبوق في إطار الصراع القائم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كتعبير عن أزمة في النظام السياسي الذي فشل في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وأظهر خللاً في بنيته من خلال النظام الانتخابي القائم الذي لا يعكس إرادة الناخبين بقدر ما يعكس مصالح القوى النافذة من مراكز قوى وشركات وأصحاب رؤوس أموال يقومون بتمويل المرشحين لانتخابات الرئاسة ومجلسي النواب والشيوخ. بمعنى آخر، إن المال السياسي يحدد توجهات السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية.

 لقد سبق للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أن انتقد النظام الانتخابي ووصفه بأنه لم يعد يعمل بشكل صحيح ويجب إصلاحه، فلا يوجد في الدستور الأمريكي ما ينص على حق الناخب في اختيار رئيسه بشكل مباشر، بل يعطي الحق لأعضاء المجمع الانتخابي دون غيرهم. وفي كثير من الأحيان حصل مرشح على أكبر عدد من أصوات الناخبين، لكنه فشل في الحصول على تأييد المجمع الانتخابي، وهو ما حصل مع هيلاري كلينتون التي تفوقت على دونالد ترامب بنحو ثلاثة ملايين صوت، لكنها خسرت الأصوات اللازمة في المجمع الانتخابي، وبذلك فإن ملايين الأصوات قد تذهب إلى المرشح الذي لم يتم اختياره من جانب الشعب.

 إن هذا الخلل في النظام السياسي الأمريكي ينعكس على أداء الرئيس المنتخب وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ، كما يؤدي إلى تفاقم الصراع وتعميق الانقسام بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وداخل المجتمع الأمريكي، ويُبرز الخلافات السياسية والعرقية والثقافية.

 لعل شكل الحملات الانتخابية الرئاسية الآن، وخروجها عن سياقها الطبيعي، وما يتخللها من شتائم وقدح وذم وتهكم، تمثل وجهاً من وجوه الخلل في النظام السياسي، كما أن دعوات العزل من جانب الحزبين الجمهوري والديمقراطي تمثل وجهاً آخر لهذه الأزمة، فقد دعا رئيس مجلس النواب، الجمهوري كيفن مكارثي، لمساءلة الرئيس الديمقراطي جو بايدن بهدف عزله، متهماً إياه ب«الكذب» على الشعب الأمريكي بشأن أعمال ابنه هانتر، والتربح أثناء شغله منصب نائب الرئيس من مشروعات تجارية لابنه، وتغذية «ثقافة الفساد»، رغم أن هذه الخطوة من الصعب المضي فيها؛ لأنها تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، لكنها تدخل في إطار النكايات السياسية. 

 لقد سبق لعدد من الرؤساء الأمريكيين أن تعرضوا لمحاولات عزل انتهت معظمها بالإخفاق، كما حصل بالنسبة للرئيس جون تايلور عام 1840، والرئيس أندرو جونسون عام 1868، والرئيس ريتشارد نيكسون عام 1973 نتيجة فضيحة «ووتر غيت» حيث اختار الاستقالة، والرئيس بيل كلينتون إثر تورطه في فضيحة مونيكا لوينسكي لكنه استطاع تجاوز العزل، وتكرر الشيء نفسه مع الرئيس السابق ترامب عام 2021 قبل أيام من انتهاء ولايته بسبب دوره في أحداث مبنى الكابيتول، حيث تمت تبرئته.

 وأحدث محاولات العزل قام بها النائب الجمهوري المتشدد مات غايتس ضد رئيس مجلس النواب الجمهوري مكارثي مطالباً بإقالته بسبب اتفاقه مع الديمقراطيين في تمرير الاتفاق المرحلي لتمويل طارئ للحكومة لمدة 45 يوماً.

 كل هذا يوضح أن سفينة النظام السياسي الأمريكي باتت مثقوبة وتحتاج إلى إصلاح عاجل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2devccdb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"