محمد بن زايد.. وإمارات ما بعد النفط

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول *

رغم وجود تقديرات متضاربة عن مسألة نضوب النفط في المستقبل، فإنّ احتمالية حصول ذلك واردة؛ كون النفط، وغيره من مصادر الطاقة الأحفورية، مصدراً قابلاً للنفاد. بيد أنّ أكثر هذه التقديرات ذيوعاً تتحدث عن احتمال نضوب النفط خلال الخمسين عاماً المقبلة. وهذا ما يُدركه المسؤولون في دولة الإمارات، وعلى رأسهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذّي أشار مبكراً، في كلمته ضمن أعمال القمة العالمية للحكومات عام 2015، إلى هذه الاحتمالية؛ ف«سيأتي وقت بعد خمسين سنة، ونحن نحمل آخر برميل نفط للتصدير».

وأكد الشيخ محمد بن زايد، في الكلمة نفسها، ضرورة تهيئة كافة قطاعات الدولة لمرحلة ما بعد النفط ضمن الاستراتيجية الوطنية للاستعداد للخمسين عاماً المقبلة، وبناء اقتصاد معرفي ومستدام «أساسه الابتكار والإبداع والعلوم الحديثة، حتى نحتفل، ولا نحزن «ونحن نحمل آخر برميل نفط للتصدير».

ولذلك، لم يكن مفاجئاً أنْ يتم الإعلان في عام 2016، عن تخفيضات في معدل إسهام القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي من 30% إلى 20% بحلول عام 2021. ووضع هذا الإعلان دولة الإمارات على طريق التحول عن الوقود الأحفوري، ونحو التنويع الاقتصادي والطاقة النظيفة أو المتجددة التي تُخطط لها القيادة الرشيدة بأن تكون قاطرة الاقتصاد في مرحلة ما بعد النفط.

وتبدو القيادة الرشيدة مدركة تماماً لأهمية وضع الاستراتيجيات والخطط اللازمة للاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. ففي كلمته المشار إليها آنفاً، قدَّم الشيخ محمد بن زايد رؤية استراتيجيَّة تقوم على التخطيط لخمسين عاماً مقبلة؛ حتى تعبر دولة الإمارات مرحلة ما بعد النفط بأمان وسلام. وفي هذا السياق، جاءت خلوة الإمارات ما بعد النفط، في يناير 2016، بحضور ممثلي الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية؛ لمناقشة الأفكار والمبادرات التي من شأنها تنويع الاقتصاد الوطني، وتحقيق التوازن بين قطاعاته بما يضمن استدامته للأجيال القادمة.

وتحت رعاية الشيخ محمد بن زايد، أصدرت الحكومة الإماراتية وثيقتين ترسمان مسار دولة الإمارات وصورتها ما بعد النفط، وهما وثيقة الخمسين، ورؤية مئوية الإمارات 2071.

توضح وثيقة مبادئ الخمسين، الصادرة في سبتمبر 2021، المسار الاستراتيجي لدولة الإمارات في دورتها التنموية المقبلة (2021-2071)، عن طريق «التركيز بشكل كامل على بناء الاقتصاد»، وتَعِد ببناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم؛ لأنّ التنمية الاقتصادية هي المصلحة الوطنية الأعلى للدولة. وتؤكد الوثيقة أن جميع مؤسسات الدولة مسؤولة عن بناء أفضل بيئة اقتصادية عالمية. ولذلك، تمت الإشارة إلى أهمية زيادة مستوى مؤشرات التنافسية للاقتصاد الإماراتي وتوسيعها. علاوة على ذلك، جعلت الوثيقة السياسة الخارجية للدولة «أداة لخدمة الأهداف الوطنية العليا، وعلى رأسها المصالح الاقتصادية» للدولة.

وإضافة إلى تركيزها على التنمية الاقتصادية المستدامة، تُولي وثيقة الخمسين أهمية بالغة للتنمية البشرية. ومن ثم، تشدد على أنّ المحرك الرئيسي المستقبلي للنمو هو تنمية رأس المال البشري، عن طريق تطوير التعليم، واستقطاب المواهب، والحفاظ على أصحاب التخصصات، والبناء المستمر للمهارات. ويرتبط بذلك كله أن الصورة التي تتطلع إليها الوثيقة لدولة الإمارات في مرحلة الخمسين الثانية، هي دولة متفوقة رقمياً وتقنياً وعلمياً. ولذلك، أصدرت الدولة الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الرقمي في إبريل 2022.

أمّا مئوية الإمارات 2071، فتشكّل رؤية شاملة وطويلة المدى، تمتد لخمسة عقود، تتضمن خريطة طريق لما بعد النفط في أربعة محاور رئيسية: التعليم والاقتصاد والتطوير الحكومي والتماسك المجتمعي. كأنّ «مئوية الإمارات 2071» تُركز، كما تُوجه وثيقة الخمسين، على بناء الاقتصاد؛ بمعنى اقتصاد متنوع وتنافسي وقائم على المعرفة. وإضافة إلى مواصلة تطوير المؤسسات، تتبنى الوثيقة اقتراب الأمن المجتمعي لتحقيق التماسك المجتمعي من أجل مواجهة أهم تحديات التنمية المستدامة في الدولة، وهو اختلال هيكل التركيبة السكانية.

وتهدف «مئوية الإمارات» إلى الاستثمار في الأجيال القادمة، ولاسيما الشباب، عن طريق إعدادهم بالمهارات والمعرفة اللازمة لمواجهة التغيرات السريعة، ورفع مكانة الإمارات لمنافسة أفضل دول العالم، وجعل مدن الإمارات الأفضل للعيش في العالم.

والخلاصة أنّ منظور الشيخ محمد بن زايد لمرحلة ما بعد النفط شامل، ويركز على الاعتماد على المعرفة والاستثمار في البشر، وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية، وزيادة الحوافز الاستثمارية، ومزيد من التنويع الاقتصادي. ويبدو سموه متفائلاً بشأن المستقبل. وعليه سنتعرض في المقالات المقبلة إلى الأساس الواقعي لهذا التفاؤل.

* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/568k98w9

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"