النموذج الفكري في تدريس الأدب

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين
عبداللطيف الزبيدي

هل من تجاوز حدود اللباقة أن نسأل واضعي المناهج العربية: أيّها الحضرات، هل تضمّون خبراء في علمي النفس والاجتماع إلى اللجان التي تتولّى اختيار نصوص المقرّر الأدبي؟ إذا كان هذا السؤال قد طرق سمعكم أوّل مرّة، فلا عتاب ولا شجن. لكن، يحقّ لأولياء الأمور، لآباء الطلبة، الذين وضعوا بين أيديكم بناتهم وأبناءهم، وكل آمال مستقبلهم، أمانةً وادّخاراً واستثماراً، أن يكونوا على يقين من أن مراحل التعليم ستريهم أنها جعلت كل فوتون سراجاً وهّاجاً.
من حق الآباء أن تطوف بخيالهم تساؤلات حين يتصفحون الكتب المدرسية التي يدرسها النشء الجديد. الأولياء ليسوا بالضرورة نقاداً وعلماء نفس، لكنهم ولا شك تتهلل أساريرهم، يطربون وينتشون بنفحات الأصالة العابقة، عندما يرون المراهقين يكدحون في سبيل حفظ أبيات من معلقة الأعشى: «ودّع هريرة إن الرّكْب مرتحلُ .. وهل تطيق وداعاً أيها الرجلُ». أغلب الظن أن أكثر الآباء والأمهات لا ينبشون زوايا نصوص أبنائهم. هم على ثقة عمياء بأن المناهج تحسن الانتقاء، وهل من انتقاء أحسن في نظرهم من عيون التراث الأصيل؟ لهذا تُغشّي أبصارهم الثقة، فلا يبحثون عن تفاصيل المعلقات، فمن أين لهم أن يعلموا أن معلقات عمرو بن كلثوم، الأعشى وامرئ القيس، بالذات، بها مشاهد إثارة وإباحية فاقعة؟
تلك مسائل أخلاقية يمكن تجنّبها بسهولة من خلال الانتقاء الدقيق، وإنما الإشارة إليها مجرد لفتة عابرة. القضية التربوية المهمة، هي البيئة البعيدة جدّاً وبلا حدود من الإطار الفكري والذهني، الزماني والمكاني، التي يعيش فيها المراهق اليوم. هذا الفتى نشأ منذ سنّ الخامسة، وأحياناً قبلها، على أنامل ترقص على لوح حاسوبي، وفي العاشرة صار يلعب بإبهاميْه على لوحة مفاتيح الجوّال. أليس تشويهاً لمفاهيم الصغار أن نلقّنهم أن الأصالة هي أن نعيش على غرار ما عاش عليه الناس قبل خمسة عشر قرناً، وإلا كنا نباتاً شيطانياً بلا جذور؟ هل الأصالة محيط مادّي وعناصر طريقة معيشة، أم هي منظومة قيم فكريّة وحياتية؟ غير معقول أن يكون الشعر الجاهلي مناسباً للإعدادية والثانوية. يمكن الإصرار على هذا الموقف التربوي إلى الأبد. لهذا يجب أن يتحاور واضعو المقرر الأدبي مع علماء النفس والاجتماع، في شأن المراهقة، الطفلة التي نشأت في بيئة ثورة المعلومات والرقمي والحواسيب والشبكة العنكبوتية والذكاء الاصطناعي، وطريقة تلقيها لمفهوم الأصالة، حين يتمثل في البكاء على الأطلال.
لزوم ما يلزم: النتيجة العقلانية: يعتقد القلم أن الصواب في تدريس الأدب، هو أن يكون من المعاصر تدريجاً إلى القديم، الذي سيكون محله الجامعة. مراهق عصر برج خليفة لا يدرك بسهولة البكاء على الأطلال.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/msvxcjxu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"