التجريبية التعليمية في الميزان

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تستطيع أن تتصوّر ما يمكن أن يحدث في المدارس العربية، لو طُبّق نوعٌ من حرّية التجارب التربوية، التي أُتيحت لمجموعة من المدارس الفرنسية؟ حدث ذلك في فرنسا منذ سنوات، حيث أرادت وزارة التربية أن تختبر مدى القدرة الابتكارية لدى تلك المدارس، فإن فاقت النتائج المأمول، تدرّج توسيع النطاق، وإن كانت مخيّبة للظن، اقتصرت الانعكاسات السيئة على عدد قليل، وكان الرجوع إلى الأساليب السابقة يسيراً.

يقيناً، ذهنك انصرف إلى أن المشهد سيقسم التربويين إلى «فسطاطيْن»، أحدهما متطلّع إلى التجديد، والآخر سائر على نهج السلف التربوي الصالح، فهم له مطبّقون، فالنشء الجديد ليس عصافير تجارب. هنا، لا بدّ من كلمة موضوعيّة، وعاش من عرف طاقته فاستشف قدرته. يجب الاعتراف بأن معايير قبول الأفراد في سلك التعليم في الابتدائية والثانوية، في العالم العربي تختلف كثيراً عن المقاييس التي تعتمدها أنظمة التعليم في الدول المتقدمة في أوروبا وغيرها. مثلاً، في فنلندا، لا يستطيع الشخص أن يصير معلّماً في الابتدائية، إذا لم يكن حاصلاً على شهادة الماجستير، ثم إن هذا غير كافٍ، عليه أن يجتاز مجموعة من الامتحانات، وأن يكون موهوباً في التدريس، أي أن المستوى التعليمي ليس هو المؤهل الوحيد، كأنما يريدون أن يكون خُلق ليكون معلّماً. يا سلام، بصراحة مثل هذا الإنسان جديرٌ بأن يُعطى مفاتيح الحرية التعليمية السبعة، لأنه كفاءة علمية وقدرات إبداعية معاً.

العقلية التعليمية التقليدية القديمة في العالم العربي، لا يزال الكثير من معالمها موجوداً: يرون أنه لا يجوز أن تُكلّف شخصاً له مؤهلات مدرّس في الثانوية، بأن يضيع وقته مع الصبيان يعلّمهم الأبجدية والأعداد. كلمة صبيان تعيد إلى الذهن شريط نوادر الجاحظ، الذي يصوّر معلّم الصبيان، أي الابتدائية، بأنه، مع حفظ الألقاب والوقوف للمعلم تبجيلاً، ناقص العقل، لا قدّر الله، فهو عند شوقي كاد أن يكون رسولاً. لا تستبعد أن تكون تلك الرسوم الكاريكاتورية للمعلم في تاريخنا هي التي حالت دون تطوير التعليم في العالم العربي حتى عصرنا الحديث. لأن أنظمة التعليم تعاني طريقة تفكير معادية للتجديد، للجديد، للتغيير، للتطوير، للبحث العلمي، لاستشراف المستقبل. هذه سمة غالبة في جلّ البلاد العربية، للأسف.

خلاصة القول، إن التجريبية التعليمية، أي حرّية الأسلوب التربوي، يجب أن يضطلع بها الدماغ الذي نشأ على التحقيق والبحث العلمي، لأن الارتجال لا تكون له قيمة إلاّ إذا صدر عن كفاءة علمية وموهبة إبداعية، وإلاّ كان غثاء سيل وزبداً يذهب جُفاء.

لزوم ما يلزم: النتيجة التعويضية: يرى القلم أن التجريبية هي الحل للمناهج العربية، لكن، في البداية، يجب أن توكل إلى لجان تسهر عليها ليل نهار.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36377fbr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"