ماركيز في مرآة الليندي

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حسن مدن

صدرت رواية غابرييل ماركيز، «مئة عام من العزلة»، أول مرة في العام 1967. لم تقرأها إيزابيل الليندي إلا بعد عام، لأنها كانت منشغلة بطفلها نيكولاس الذي أنجبته في العام 1966، وشرعت في قراءة الرواية بعد انتهاء إجازة الرضاعة وعودتها إلى عملها في إحدى المجلات النسائية، وتذكر أنها لم تذهب يومها للعمل بسبب اندماجها في أجواء الرواية حتى أنهت قراءتها، لأنها شعرت كما لو أن أحداً يخبرها بقصتها الخاصة. كانت الرواية، وفق تعبيرها، «تتضمن عائلتي وبلدي والأشخاص الذين أعرفهم»، مع أن أحداث الرواية التي تحكي قصة أجيال عدة من عائلة واحدة في جزء منسي من كولومبيا، متخيّلة وليست واقعية.

كيف نجح ماركيز في أن يجعل من المتخيل واقعياً، وما الذي حوته «مئة عام من العزلة» لتصبح مهمة ومؤثرة بهذه الصورة؟

ترجع إيزابيل الليندي السبب إلى الواقعية السحرية التي طبعت الرواية، لأن العالم والحياة في غاية الغموض. الناس لا يتحكمون في أي شيء، ولا يوجد لديهم تفسير لأي شيء، وهم يحاولون العيش في عالم منضبط، لأن ذلك يجعلهم يشعرون بالأمان، فيما رواية ماركيز هذه وروايات أخرى تالية له تنطوي على انفجارات لا تصدّق، تحدث من حولنا دائماً، ولعجزنا عن تفسيرها نحسبها نوعاً من السحر، مع أن الليندي ترى أن ماركيز ليس هو من اخترع الواقعية السحرية، فهي بدأت مع الغزاة الذين أتوا أمريكا اللاتينية، وكتبوا الرسائل إلى ملك إسبانيا عن القارة التي بها «ينابيع من الشبّان القادرين على استخراج الذهب والألماس من الأرض». إنهم أشبه بالسحرة بل لعلهم سحرة، وكان الكاتب الكوبي إليخو كاربنتييه هو أول من وضع مصطلح الواقعية السحرية، ثم أتى ماركيز ووسع شعبيته.

هذا بعض ما قالته إيزابيل الليندي في حوار متلفز جمعها مع أدباء آخرين، وحواه كتاب «شهرزاد أمريكا اللاتينية»، الذي أعدّه وترجمه إلى العربية عبدالله الزماي، وفي الحوار إياه ذهبت الليندي إلى أن روايات ماركيز التي «غزت» العالم، والتعبير لها، لم تحقق فقط إخبار القراء من مختلف الثقافات بعوالم أمريكا اللاتينية الساحرة، وإنما نجحت في أمر آخر لا يقل أهميّة، هو تعريف أهل القارة بأنفسهم. تقول الليندي: «أخبرنا من نحن. رأينا أنفسنا في مرآته».

أليست تلك آية الأدب العظيم، الذي كلما أوغل في ما نحسبه محلية صرفة، نجح في تحقيق العالمية، أليست هي آية الأصالة والصدق التي تجعل من المحلي الصميم عالمياً، لأن الكاتب نجح أولاً في تمكين أهل بلده وثقافته في رؤية ذواتهم وتاريخهم وتحوّلات مجتمعهم من حولهم في مرآة ما كتب؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3f7rzcpb

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"