اللقاء بين «معجزتي الصحراء ونهر الهان»

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول

بدعوة كريمة من سفارة الدولة في سيؤول، شاركتُ الأسبوع المنصرم في الحوار الاستراتيجي الكوري- الإماراتي، الذي تنظمه السفارة بالتعاون مع «مركز تريندز للبحوث والاستشارات»، وهو مركز فكر مستقل في أبوظبي.

وركز الحوار، الذي انخرط فيه نخبة من الخبراء والباحثين وصناع القرار، على آفاق الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات وجمهورية كوريا، التي تعود إلى عام 2009، بمناسبة توقيع اتفاقية تعاون في مجال الطاقة النووية كانت حجر الأساس في تطوير برنامج الإمارات السلمي للطاقة النووية. وفي عام 2018، تمت ترقيتها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الخاصة.

وعلى مدى العقدين الماضيين، حققت الدولتان نمواً كبيراً في علاقاتهما في مجالات الطاقة، لاسيما التنقيب عن النفط وبناء المفاعلات النووية، والإنشاءات والتجارة. ثم توسّعت إلى التعاون في مجالات الرعاية الصحية والخدمات الطبية والثقافة، واستكشاف الفضاء والدفاع والزراعة الذكية وغيرها. ويعد التعاون في الرعاية الصحية، من بين أمور أخرى، تجسيداً للنجاح في قطاع الخدمات، ويُعد التعاون في المجالين الفضائي والدفاعي نقطة تحول فارقة.

وقد تمت مأسسة هذه الشراكة الاستراتيجية، عن طريق الزيارات المتبادلة بين قادة الدولتين (كان أبرزها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى كوريا الجنوبية عام 2019، وزيارة الرئيس يون سوك يول للإمارات مطلع هذا العام)، وإنشاء منصات وآليات رسمية مختلفة (أهمها- الحوار الاستراتيجي الخاص على مستوى وزراء الخارجية، واجتماع 2+2 بين وزارتي الخارجية والدفاع، والمشاورات رفيعة المستوى بشأن التعاون النووي، واجتماعات اللجنة الاقتصادية المشتركة، واجتماعات اللجنة القنصلية)، والتوقيع على عدة اتفاقيات تجارية وأخرى للتعاون الفني في قطاعات التعليم والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية.

إن الشراكة الاستراتيجية الخاصة بين دولة الإمارات وكوريا الجنوبية تجسد اللقاء بين «معجزة الصحراء» و«معجزة نهر الهان». فمعجزة الصحراء في الإمارات تشير إلى القفزة الهائلة في حجم الاقتصاد الوطني وهيكله (أي تنوعه) منذ تأسيس الاتحاد عام 1971. فقد ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للدولة بنحو 246 ضعفاً، من نحو 1.77 مليار دولار فقط عند قيام الاتحاد، ليصل إلى 449.2 مليار دولار العام الماضي، بمعدل نمو بلغ 7.9%. وكان اقتصاد الإمارات يعتمد في البدايات على النفط بنسبة 90%. وفي عام 2022، بلغت نسبة مساهمة القطاع غير النفطي نحو 72.3% من الناتج المحلي الإجمالي. وقد توقع صندوق النقد الدولي أن نمو القطاع غير النفطي سيظل قوياً، ويحقق معدل نمو يُقدر ب 3.8% هذا العام. وتسعى دولة الإمارات إلى الوصول بنسبة مساهمة القطاعات ى العالم) عام 2022. وكان نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي عند إنشاء الحكومة عام 1953 لا يتجاوز 67 دولاراً فقط، ووصل إلى نحو 33.4 ألف دولار عام 2022. على أية حال، تعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري لكوريا في المنطقة العربية. وفيما بلغت الاستثمارات الكورية في الإمارات، حتى مطلع عام 2021، نحو 2.2 مليار دولار، من المتوقع أن تشهد الاستثمارات الإماراتية في كوريا نقلة نوعية بعد إعلان الدولة عن خطتها لاستثمار 30 مليار دولار خلال المرحلة المقبلة في قطاعات مرتبطة بالطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها من قطاعات الاقتصاد الجديد.

والخلاصة، أن كوريا الجنوبية تعد شريكاً أساسياً للإمارات في جهودها من أجل تحقيق هدف التنويع الاقتصادي، ومن ثم الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. ففي زيارة الرئيس يول للإمارات في يناير 2023، تم الاتفاق على تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الدولتين في مجالات الطاقة، لاسيما الطاقة النظيفة، والاقتصاد والاستثمار، والدفاع وتكنولوجيا الدفاع، وإطلاق شراكة استراتيجية في الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، وخاصة في مجالات التحول الرقمي في التصنيع، والنقل، والفضاء، ومرونة سلاسل الإمداد، كما أطلقا مبادرة مشتركة للتعاون في مجال التصنيع المتقدم. وهذه كلها مجالات تدفع جهود التنويع الاقتصادي في دولة الإمارات إلى الأمام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/nh962k7e

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"