يعتقد البعض أن مفهوم الابتكار جديد، وأنه من المصطلحات الحديثة التي تم تداولها مع التطور والحضور التقني، والحقيقة أنه قديم جداً، بل ضارب العمق في التاريخ البشري، وبغض النظر عن كلمة الابتكار نفسها، فإن التفكير والعمل الابتكاري، كان متواجداً، وماثلاً، بل إن السلوك الابتكاري، والنزعة نحوه، هو الذي منح الإنسان التقدم والارتقاء وبناء الحضارة.
وإن صح كثير من المدونات التاريخية، التي تتحدث عن تاريخ الإنسان، وتصويرها للحياة البدائية، وأنها حياة كانت متواضعة من الناحية المعرفية والعلمية، وشح المعلومات، وتضاءلت الفرص، فإن هذه الحالة أدت لتكون عملية التطوير بطيئة، ومعتمدة على التعلم من التجربة ومن العمل نفسه، ثم التطوير داخل هذا العمل من خلال تراكم الخبرة والممارسة، وهذه الآلية تأخذ الكثير من الوقت، خاصة أنه في تلك الحقب الزمنية القديمة، لم تكن هناك عمليات توثيق ودراسة وملاحظة.
هناك أمثلة كثيرة توضح هذه الحالة، وتبين هذا التسلسل التاريخي، مثل هذه المسيرة، في مجالات بشرية متعددة، كالزراعة، الصيد، والصناعة، وغيرها، والتي لكل واحدة منها قصة طويلة من البدائية وصولاً للتطور وتحقيق قفزات كبيرة.
هذه الحالة تحدث عنها البروفيسور توماس سودندورف، أستاذ علم النفس في جامعة كوينزلاند، وهو مؤلف كتاب «الفجوة»، حيث قال: «لا شك في أن ابتكاراتنا العديدة- بدءًا من تحويل حجر السيليكا إلى فؤوس يدوية إلى تحويله إلى رقائق كمبيوتر- كانت حاسمة بالنسبة للقصة الإنسانية. إن تمكين مثل هذه الابتكارات، يبين قدرتنا المتميزة على التفكير في المستقبل خاصة التعرف على الإمكانات. وهذا ليس بالأمر السهل كما تظهر العديد من الأمثلة المحيرة في التاريخ. ولنتأمل هنا عالم الرياضيات اليوناني هيرو الإسكندرية، الذي وصف المحرك البخاري في القرن الأول الميلادي، ولكن يبدو أنه استخدمه فقط للترفيه عن الضيوف في الحفلات. لو كان هيرو أو أحد ضيوفه قد أدرك الاستخدامات العملية التي لا تعد ولا تحصى لمثل هذا الجهاز، فربما تكون الثورة الصناعية قد بدأت قبل عدة قرون من حدوثها فعلياً».
وكما هو واضح فإن الحاجة هي الدافع نحو الابتكار، ثم تطوير هذا المفهوم، ليصبح مدرسة لها متطلبات وأسس وأهداف وتعاريف ومصطلحات، وبالتالي لا يمكن فصل الابتكار، عن التفاعل مع الإنسان، فهو جزء من مسيرة البشر. لذا نحتاج ليكون الابتكار، ومتطلباته حاضرة في حياتنا، وأيضاً في رؤيتنا للمستقبل، وما نتطلع لتحقيقه.
