الأطفال يُحصدون كغلال القمح

01:55 صباحا
قراءة دقيقتين

نور المحمود

«معظمهم أطفال»، «٦٠٪ من الضحايا أطفال».. ما أصعبها هذه الكلمات التي تعلق في أذهاننا وترافقنا إلى أسرّتنا ليلاً، حيث ننام وهم يبكون، يتألمون، ومن صار منهم ملاكاً يزورنا في أحلامنا، فبالله عليكم أخبرونا ماذا نقول لهم؟ كيف نجيب عن أسئلتهم الصامتة التي لا تنطق بالكلمات بل تحملها أرواحهم وجراحهم وأجسادهم النحيلة الصغيرة إلى ضمائر العالم كله؟

دعكم من السياسة ودهاليزها، ودعكم من التاريخ والجغرافيا، ودعكم من الخطط العسكرية والرابح والخاسر ومن يتقدم ومن يتراجع.. وقولوا لنا ماذا نرى لو جردنا المشاهد الحيّة والمباشرة التي تنقلها لنا الشاشات من قطاع غزة من أي كلام ومن أي تحليل وتعليق، هل يبقى في المشهد سوى حطام الإنسانية واستشهادها مع استشهاد كل طفل وامرأة ومع تناثر أشلاء العائلات؟ هل يبقى في الكادر ما يمكن اختصاره أو إبرازه سوى تلك المقابر الجماعية والمدفونين تحت الأنقاض أكثر من الخارجين أحياء السائرين على أقدامهم فوقها بعد كل عملية وقصف

يا الله كم يملك الإنسان من قدرات جبارة يستغلها لصناعة الشر، مقابل حفنة قليلة تسعى بكل جهدها لتعميرها تلك الكارثة الإنسانية التي نشهد عليها ونشاهدها كل يوم يصعب وصفها بالكلمات، ويصعب اختصارها بموقف وتضامن، ويصعب حجبها عن العيون أو منعها من الخروج إلى الضوء؛ فتحت الأنقاض هناك الكثير من الحكايات التي لم تروَ بعد والأسماء التي لم تُكتب بعد والأصوات التي لم تصرخ بعد.

كلما رأينا طفلاً وكلما تحدثنا عن الطفولة في حياتنا العادية، نفكر بالمستقبل ونحرص على سرد قائمة القيم والأخلاق والمعايير التي علينا الالتزام بها كي «ننشئ جيلاً مسؤولاً»، معافى نفسياً، قادراً على استكمال رحلتنا وتعمير الأرض، نريده أفضل منا ونريد له غداً مشرقاً يزهر أملاً وعملاً.. لكننا نخجل حتى من الحلم ومن التفاؤل ومن الأمل أمام هَول وعظمة ما يحصل، نخجل من الحديث عن الطفولة احتراماً لتلك الأرواح الصاعدة إلى ربها بالمئات والآلاف قبل أن تذوق من الحياة حلواً، أو ترسم للمستقبل وجهاً.

دعكم من كل ما نقوله وما يمكن أن يُقال، فالمشهد أكبر والكارثة أعظم من أن نحصرها بحروف وأسف وحزن يختصره البعض بدقيقة ومواساة.. الأطفال يُحصدون كغلال القمح، حتى قبل أن تنضج السنابل، أفَلم ينته موسم الحصاد بعد؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/52d73tr9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"