فبركات الجيوش الإلكترونية

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

لم نعد نحصي كم الأخبار التي نتلقاها عبر وسائل التواصل الاجتماعي كل يوم، لا يمكن حصرها ولا تتبعها كلها، فكلما قرأت خبراً وتتبعت مصدره وصفحة ناشره، شعرت بأنك دخلت غابة وتوغلت في أعماقها من دون قصد، ويصعب عليك الرجوع إلى نقطة الصفر وكأنك لم تدخل أبداً، خصوصاً في ظل الأحداث المشتعلة في غزة وتفاعل الشرق والغرب ومختلف شعوب العالم معها.

تتصفح، لكن هل كل ما تقرأه صحيح؟ هل كل ترجمة للغات لا نعرفها يكون دقيقاً أم موجهاً وفق أهواء المترجم؟ وهل كل مقطع فيديو نراه يكون صحيحاً أم تقف وراءه «الجيوش الإلكترونية» التي تشعل الحروب بدورها وتزيد الطين بلّة وتؤجج الفتن وتضرب في كل الاتجاهات كي تصيب أكبر عدد من المتابعين، ونصير نحن المروجين لفبركاتهم والسلاح الذي يحاربون به ويحاولون تحقيق انتصارات ولو كانت وهمية ولكنها معنوية ومهمة بالنسبة لهم.

عن غير قصد، وبغير وعي يتحمس الناس فلا يدققون بكل خبر فيعيدون نشره ليصل إلى أكبر عدد ممكن من معارفهم على «الواتساب» و«انستغرام» و«إكس»، عن حسن نية يتفاعلون قبل أن يتأكدوا من المعلومة، ويسقط البعض منهم في فخ المشاهد أو الصور المفبركة فيتلقون سيلاً من التعليقات الساخرة منهم، لأنها تكون فرصة مناسبة يستغلها الطرف الآخر والمؤيدون له للتشكيك بهذا الشخص ويشملون كل المعلومات القديمة والجديدة التي ينشرها، فتدور معركة بين هؤلاء ومتابعي ومحبي هذا الفلان.

هل هي لعبة تشكيك فقط هدفها زعزعة الثقة، فيعيد الناس حساباتهم في مواقفهم ولو للحظات؟ أم أن الفبركات صارت توأمة الحقيقة لدرجة أننا لم نعد نستطيع التمييز بسهولة ويسر بينهما؟ أم أن الحرب الإلكترونية باتت تنافس الحروب العسكرية بشراستها ووحشيتها وانعدام إنسانيتها إلى هذا الحد؟

الطبيعي أن يقرأ الناس أرقاماً عن أعداد الضحايا في أي حرب، فيأتي من يشكك بها وتبقى المعلومات متضاربة والإعلام يرددها وفق ميوله والخط السياسي الأنسب له، هذه إحدى لغات الحروب التي بتنا نعرفها جيداً ونستطيع تمييز الكاذب من الصادق فيها، لكن فبركات المقاطع التصويرية والفيديو والتشكيك بالترجمة المرفقة لها، فهذه لغة حروب العصر الحديث، لذلك يبقى المشهد الحي الآتي مباشرة من قلب الحدث عبر شاشات التلفزيون هو الشاهد الحي بلا تدخل ذكاء اصطناعي ولا فبركة خلايا إلكترونية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/uej6w8uh

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"