ماكينة الكاش الأوروبية

21:21 مساء
قراءة 4 دقائق

جوناثان باكروف *

ذات يوم، حذر السياسي الألماني مانفريد فيبر، زعيم حزب الشعب الأوروبي وأحد كبار المسؤولين عن فقاعة بروكسل، من التعامل مع الاتحاد الأوروبي على أنه مجرد «ماكينة لصرف النقود».

ومع ذلك، لا تزال الميزانية المخصصة ل «سياسة التماسك» التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي، وهي الأداة الرئيسية لإعادة توزيع الأموال من الدول الأعضاء الأكثر ثراءً إلى الدول الأعضاء الأكثر فقراً، والتي من المفروض أن تساعد على ردم الفجوات بين البلدان والمناطق المختلفة في نفس البلد وعموم أوروبا، تُوزَّع خلف الكواليس بعيداً عن اهتمام الرأي العام. ومن أجل الشفافية، لابد أن يتغير هذا الأمر، وخاصة مع استمرار انضمام بلدان جديدة أقل نمواً إلى الكتلة.

وفي ضوء ذلك، عقدت المفوضية الأوروبية مؤخراً في بروكسل الأسبوع الأوروبي السنوي للمناطق والمدن، وعلى رأس قائمة الأولويات كان إصلاح سياسة «التماسك» تلك التي يتبناها الاتحاد.

ويرى كثيرون أن سياسة إعادة توزيع الأموال من الدول الغنية كألمانيا والدنمارك وهولندا على نظيراتها الأقل ثراء مثل رومانيا وسلوفاكيا، منطقية بالفعل. خصوصاً أن المجموعة الأولى استفادت بشكل كبير من التوسع السابق للاتحاد الأوروبي، واستخدمت شركاتها أوروبا الشرقية كأسواق تصدير جديدة وأماكن عمل متنامية الحجم بتكاليف تشغيلية أقل إلى حد كبير مقارنة بمدن ومناطق أوروبا الغربية.

وعلاوة على ذلك، شغل العمال المهاجرون من أوروبا الشرقية العديد من الوظائف ذات الأجور المنخفضة نسبياً. ومن دونهم، لانهيار قطاع الرعاية الصحية في بلدان مثل ألمانيا منذ فترة طويلة.

ومع إمكانية انضمام بلدان جديدة، وأكثر فقراً، إلى الكتلة، فمن المرجح أن يستمر الحال على ما هو عليه. أي أنه من العدل، وكما هو معمول سابقاً، أن يتوقع الوافدون الجدد أموالاً من «ماكينة الكاش الأوروبية» بمجرد إتمام عضويتهم وبالتالي، تشتد الحاجة أكثر لإصلاح آلية توزيع الأموال الخاصة بالاتحاد.

لنأخذ على سبيل المثال الإعانات الزراعية الممنوحة حالياً من الاتحاد الأوروبي، وكيف أنه من الممكن توفير هذه المدفوعات النقدية السخية المقدمة عن كل هكتار في حال انضمام العملاق الزراعي أوكرانيا إلى الكتلة. وهذا بالضبط ما يجب تضمينه في سياسة التماسك الحالية التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي مع بقية الأسماء المرشحة للانضمام.

لكن في الواقع، تحتاج هذه السياسة إلى إعادة تأهيل ولأسباب عدة. أولاً، لأن الاتحاد الأوروبي خذل مواطنيه الأكثر فقراً. فقد أظهرت دراسة نشرت في وقت سابق من هذا العام، أنه على الرغم من نجاح سياسة التماسك في مساعدة المناطق الفقيرة على مواكبة تلك الأكثر ثراء، لم يُطبق ذلك على الأسر الأكثر فقراً داخلها. لا بل أصبح الفقراء هناك يتخلفون عن الركب أكثر في مقابل رفع مستوى أولئك الذين هم بالأساس أفضل حالاً، مما يعني زيادة عدم المساواة داخل المناطق المدعومة بشكل أكبر.

ثانياً، من الناحية العملية، تذهب معظم أموال الاتحاد الأوروبي إلى المناطق التي تستثمر أكبر قدر من الجهد في التقدم بطلب للحصول على التمويل واستيفاء إجراءاته اللازمة، بدلاً من المناطق التي تحتاج حقاً إلى ذلك التمويل أكثر من غيرها. فتوزيع الأموال عن طريق السلطات المحلية بمشاركة مسؤولي المفوضية يضمن وصولها إلى أهدافها الحقيقية من مشاريع واستثمارات فاعلة، على النقيض من صناديق الإنعاش التي يتباهى بها الاتحاد، التي أهدرت أجزاء منها لتمويل خطط هشّة في كثير من الأحيان.

والأمر الثالث، كي لا يواجه أزمة تمويل، سيتعين على الذراع المالي للاتحاد الأوروبي، في حال انضمام أعضاء جدد، أن يعيد ملء صندوقه من المناطق الأكثر ثراءً، والتي بدأت تشكو بالفعل ضيق حالها.

وكل هذا من شأنه أن يدفع الاتحاد إلى التشكيك في المبدأين المقدسين لسياسة التماسك، وهما «النهج القائم على المكان»، و«حصول كل شخص على حصة من المدفوعات».

وبما أن الأسواق الجديدة تجلب معها دوماً فائزين وخاسرين، فالمزيد من الانفتاح للسوق الداخلية للاتحاد الأوروبي سيؤدي إلى نفس النتيجة وأكثر ربما. كما أن التحول نحو الحياد المناخي، الذي يُنظر إليه في المقام الأول على أنه سياسة تتبناها بروكسل، سيكون له تأثير مماثل.

ومع أن إشراك السلطات المحلية قد يبدو لطيفاً، فالتركيز على المناطق بدلاً من المواطنين يعني أن الأموال لا تستهدف بشكل صريح أولئك الذين قد يخسرون بسبب تكامل السوق أو التحول الأخضر. ونتيجة لذلك، يمكن أن يتغير حماسهم لكليهما.

وعليه، من الأجدى للاتحاد الأوروبي التعاطي بجدية أكبر مع «النهج القائم على الأفراد» بدلاً من المكان.

ويمكن أن يتم ذلك عبر إرسال مدفوعات نقدية للأفراد الأكثر حاجة عن طريق التحويل المباشر. وهذا يعني إعادة النظر بمبدأ تمويل المشاريع باستخدام أموال سياسة التماسك الأوروبية، حتى في المناطق الغنية، لصالح دعم مواطني الكتلة. فمن خلال نموذج المستفيد الصافي القائم على الأفراد، يستطيع الاتحاد الأوروبي أن يجعل سياسة التماسك مناسبة للتوسع والتحول الأخضر مستقبلاً، وهذا أمر مشكوك فيه على أي حال.

* مراسل الاقتصاد في «يوروآكتيف»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3hdbkb8c

عن الكاتب

مراسل الاقتصاد في «يوروآكتيف»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"