دون شك أن هناك جدليات متنوعة، ومواضيع عديدة غير محسومة، عند الحديث عن سطوة الذكاء الاصطناعي، وهي محور للنقاش والحوار، سواء بين العلماء والمختصين، أو حتى على مستوى الناس بصفة عامة. يرى البعض أن موضوع دخول الآلة الذكية إلى الأعمال سيكون جذرياً وقاطعاً ومؤثراً، وأنها مسألة وقت، لا أكثر، وأن هذا الأثر سيكون مدمراً على الطبيعة الوظيفية المعهودة والمعتادة في حياتنا العملية، حيث ستتبدل آلية العمل ومناهجه وطرقه، وسيكون سوق العمل مختلفاً تماماً، والعنصر البشري سيكون في وظائف أخرى مختلفة ونوعية، وأن الآلة ستحتل جميع الوظائف التقليدية المعهودة.
هناك فريق ثانٍ يشير إلى أثر أكبر للذكاء الاصطناعي، وأنه سيدخل حتى في جوانب تتعلق بالإبداع الإنساني، وفريق ثالث يتحدث عن قوة الذكاء الاصطناعي، لكنه يعتبر أن الذكاء البشري هو أيضاً سيكون أكثر حضوراً وقوة، وبالتالي سيحافظ الإنسان على حضوره وتقدمه الأزلي.
قرأت قبل فترة مقالة للمفكر في عالم التكنولوجيا، والعلوم، والطب، والابتكار، جون نوستا، مؤسس مركز NostaLab، وهو مركز أبحاث ابتكاري معترف به عالمياً، ونشر المقالة في موقع: psychologytoday الذي أقتطف منه الكلمات التالية: «في عصر تتشابك فيه التكنولوجيا والإبداع ويتجليان بضغطة زر واحدة، نجد أنفسنا عند مفترق طرق محوري: تقاطع الإبداع البشري، وقدرات الذكاء الاصطناعي الدقيقة... عندما ننظر إلى مجالات الإبداع والتنظيم، فإننا عادة ما نعزو البراعة الفائقة إلى العقل البشري بفهمه الجوهري للعمق العاطفي، والفروق الثقافية الدقيقة، والسياق التاريخي. ومع ذلك، فإن التقدم السريع للذكاء الاصطناعي يرسم صورة مختلفة. وبفضل قدرته على معالجة وتحليل مجموعات بيانات ضخمة تتجاوز بكثير القدرات البشرية، يستطيع الذكاء الاصطناعي الكشف عن الأنماط والإلهامات والاتصالات التي قد تفلت حتى من أكثر القيمين البشريين تعلماً أو الفنانين الأكثر إبداعاً. وفي ما يتعلق بالإبداع، يمكن للذكاء الاصطناعي تجميع وإعادة تجميع العناصر من مجموعة واسعة من الأساليب والفترات والوسائط، ما قد يؤدي إلى أشكال جديدة رائدة من الفن تتحدى فهمنا التقليدي للإبداع».
وكما هو واضح، فإن الحديث عن الابتكار والفن، والإبداع، وأن هناك كلمة قوية للذكاء الاصطناعي، وهذا يعني حضوراً أقوى لهذا الوافد الجديد في التاريخ البشري، لكن الذي يشير له جون نوستا، هو نقطة التكامل بين الطبيعة البشرية والذكاء الاصطناعي، وأن مثل هذا التعاون، إذا صحت الكلمة، سيكون له فوائد ثرية غير مسبوقة في مسيرة الإنسان.
