لسنا عالماً واحداً

02:06 صباحا
قراءة دقيقتين

نور المحمود

أي ألم أصعب؟ ألم البدن أم ألم النفس المرتبط مباشرة بألم الضمير؟

كلما تابعت ما يحدث في غزة، تتحسر على المصابة أبدانهم بشظايا القذائف والخارجين من تحت الأنقاض بالكاد تظهر ملامحهم وبالكاد يستنشقون الهواء، وكأن الألم ينتقل إليك عبر الشاشة فيصيب بدنك وتعيش المأساة مع أصحابها لحظة بلحظة؛ وكلما رأيت الباحثين عن بقايا وأشلاء ذويهم وعائلاتهم والمتعلقين بقشة أمل في إيجاد أم وأب وطفل وجد وجدة أحياء تحت الأنقاض، يصيبك الألم في صميم قلبك، أي في صميم مشاعرك ووجدانك وضميرك، فتكتئب وتقرر البحث عن أي منفذ آخر يمكنك من مواصلة حياتك بتفاؤل ورجاء.

لسنا كلنا واحد، فهناك من يشعر بأن ألم النفس أصعب كثيراً من ألم البدن، وقد لا تجد من يداويها، وأن ألم الضمير أصعب وأصعب لأن العلاج بيد المصاب نفسه، هناك من يجعل من ضميره شعلة تضيء له الدروب ولا تنطفئ أبداً، وكلما خفت وهجها استنهض همته وزادها نوراً علها تنعكس أيضاً على الآخرين؛ وهناك من لا يصاب ضميره بأي ألم ولا ترتعش نفسه وروحه لأي مصاب، بل يتعامل مع كل المشاهد وكل الظروف وكل الأزمات ببرودة تضاهي برودة بحيرات الجليد المتجمدة، ولا تحتاج إلى البحث في أعماقهم كي تكتشفهم، فملامحهم ووجوههم وتصرفاتهم وردود أفعالهم تدلك إلى جليد قلوبهم وضمائرهم.

لا يمكن أن نتفاعل كلنا مع الحدث نفسه بالطريقة نفسها، فلكل مشاعره ولكل مواقفه ولكل اعتباراته وحساباته، لكن المشهد الإنساني يفرض نهضة ضمير واحدة لدى كل الكائنات البشرية، فهل من الممكن أن تكون مشاعرك متبلدة أمام جريمة اغتصاب طفل؟ أو ضرب امرأة وصغارها؟ أو الاعتداء على عجوز؟ أو حتى سوء معاملة رجل عامل أو شاب في مكان عام؟ كل اعتداء وظلم يقع على إنسان، هو سبب كاف لاستدعاء ما حسبناه قاموساً وناموساً للبشرية كلها، مبادئ ترسم ملامح وقواعد وخطوط وحدود الحياة على وجه الأرض، فكيف يمكن لدول المناداة بها والتشدد في الحرص عليها والتلويح والتهديد بمعاقبة من لا يلتزم بها بأقصى عقوبة، بينما هي نفسها تتجاهلها وتغض البصر عنها حين يتعلق الأمر بمصالحها ومصالح حلفائها و«أحبابها»؟!.

نحسب أننا كائنات تحيا لتحيي الأرض، ونحسب أننا نرفع شعار عالم واحد لتسود المساواة، وأن مصالح الكل مشتركة، وأن الأمان والسلام مطلب طبيعي وحق للجميع، وأننا نحيا بضمائرنا قبل أن نحيا بالقوت والماء.. وسنبقى نحسب طالما هناك أمل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y9nzv7ea

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"