مكتبات الأفراد مفاتيح شخصياتهم

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

شائعة النصيحة القائلة بإخفاء ما نتناوله من أدوية وما نقرأه من كتب عن أعين الغرباء، وهي نصيحة تنسب إلى رولان بارت، مفادها أن على الشخص أن يخفي عن الآخرين صيدلية بيته ومكتبته. وإذا كان إخفاء الصيدلية هدفه إحاطة ما يعانيه المرء من أمراض بالسرية، فلا يستدل عليها من أنواع الأدوية التي يتناولها، فإن إخفاء المكتبة هدفه عدم تقديم خدمة مجانية للآخرين عن طبيعة اهتمامات صاحبها، وعما يصادف هوى في نفسه، من خلال ما يقرأ، رغم أن ميلان كونديرا رأى في «خفّة الكائن التي لا تحتمل» أن ثمّة نوعاً من الأخوّة تنعقد بين الناس الذين يقرؤون الكتب نفسها، فمن ميل الأفراد لقراءة كتب بعينها يمكن الحكم على أوجه تشابه بينهم في التكوين الإنساني وفي طبيعة الاهتمامات.

المشاهير، خاصة من رجال السياسة، يميلون عادة إلى إخفاء ما يقرؤونه من كتب، وحتى لو لم يقصدوا هذا الإخفاء، فإنه يحدث بصورة تلقائية، فمَن مِن غير أفراد الحلقة الضيقة المحيطة بهم سيكون على علم بماذا يقرؤون، وما الكتب التي تثير موضوعاتها اهتمامهم وشغفهم؟ وبالتالي تبقى هذه الزاوية معتمة لمن هم خارج هذه الدائرة. طبعاً هناك استثناءات من رجال دولة وساسة جمعوا بين الأمرين: السياسة والتعلق بالمعرفة والثقافة، بل إن الكثيرين منهم أصدروا كتباً تشي بطبيعة تكوينهم المعرفي، ومعروف في تاريخ جائزة نوبل للآداب أن الزعيم البريطاني تشرشل فاز بها عن كتابه الذي تضمّن مذكراته، التي رأت لجنة الجائزة أنها عمل أدبي جدير بالتكريم، وما كان هذا سيحدث لو لم يكن تشرشل نفسه قارئاً جيداً.

مفهوم، إذن، شغف الباحثين، والقرّاء أيضاً، وهم يسعون للوقوف على «الوجه الخفي»، إن صحّ القول، لكبار الزعماء الذين عرفهم التاريخ بمعرفة ماذا كانوا يقرؤون، وعلى سبيل المثال، نشير إلى ما تناوله الكاتب حسام الدين محمد عن زيارة مدير الأرشيف في معهد سوفييتي لمنزل جوزيف ستالين، بعد 4 سنوات على وفاته، بغية التعرف على مكتبته الشخصية لضمّ محتوياتها إلى أرشيف ذلك المعهد، ففوجئ بأن ستالين احتفظ في تلك المكتبة بمؤلفات مناوئين له، ومن تصفحه لتلك المؤلفات وجد الباحث أنها حوت خطوطاً تحت بعض فقراتها وتعليقات على هوامشها وضعها ستالين نفسه، وهو أمر أكبره فيه مدير أرشيف المعهد، بصرف النظر عن بواعث ستالين لمثل هذا الاهتمام، وفي ما يتصل بالأدب سخر مدير المعهد، واسمه شارابوف، من عبارة دوّنها ستالين على هامش نسخة من كتاب مكسيم جوركي «الموت والعذراء»: (هذا المقطع أهم من جملة غوته في «فاوست» الحب ينتصر على الموت).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/9aub5nr7

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"