د. صلاح الغول*
تنهض السياسة الاقتصادية والخارجية لدولة الإمارات على مبدأي تنويع الشركاء في المجالات الاستراتيجية والاقتصادية، والتوازن في التفاعلات مع الشركاء المختلفين.
وينبع تنويع الشركاء من كون دولة الإمارات ترتبط بمصالح مختلفة مع دول متنوعة، ومع تمدد هذه المصالح وتوسع تجارتها الخارجية، تزداد الحاجة إلى شركاء جدد.
ويُلاحظ أن مبدأ تنويع الشركاء هو مبدأ شامل؛ لا يقتصر على المجال الاقتصادي فقط، وإنما يشمل أيضاً المجالين السياسي والأمني، ويستهدف تأمين درجة كبيرة من الاستقلالية للسياسة الاقتصادية والخارجية الإماراتية. كما يُلاحظ أن التوازن الذي تتابعه دولة الإمارات تجاه القوى الكبرى، ولاسيما المتنافسة منها، هو عملية سياسية دقيقة، تتطلب انخراط صانع القرار الرئيسي مباشرة، في تخطيط وإدارة السياسة الخارجية. وفي هذا الخصوص، أكّد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في أول خطاب له بُعيد اختياره رئيساً للدولة في 14 مايو/ أيار 2022، أن هدف السياسة الخارجية الإماراتية، وتوجّهها في المرحلة المقبلة، يتمثلان في «إقامة شراكات استراتيجية نوعية مع مختلف الدول».
ويرتبط مبدأ تنويع الشركاء بمبدأ «الاقتصاد أولاً»، وسياسة تصفير المشكلات، كما أكدت وثيقة الخمسين. بعبارة أخرى، في إطار الاستعداد لمرحلة ما بعد النفط يتم التأكيد أن التنمية الاقتصادية هي مسار للأمن. وقد أخذت الإمارات في توسيع الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، وتعميقها، وبناء مزيد منها مع دول العالم المختلفة.
ويأتي توجه الإمارات نحو تنويع الشركاء استناداً إلى مبادئ الخمسين العشرة التي تُشكل إطاراً مرجعياً لكل مؤسسات وقطاعات الدولة، وتنفيذاً لبرنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية (سبتمبر/ أيلول 2021)، ضمن مشاريع الخمسين التي تشمل حزمة مشاريع ومبادرات استراتيجية للخمسين عاماً المقبلة. وفي هذا الصدد، تم تشكيل اللجنة العليا للشراكات الاقتصادية العالمية، للعمل على تنفيذ مرامي البرنامج المذكور، والمتمثلة في بناء شراكات جديدة، وتطوير الشراكات القائمة وتوسيع نطاقها، وتنويع مجالاتها. ويسعى برنامج الشراكات الاقتصادية إلى ترسيخ مكانة الإمارات، لكونها بوابة رئيسية للتجارة والاستثمار في العالم، وتعزيز الانفتاح على الأسواق العالمية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، ومضاعفة حجم الاقتصاد الوطني، وزيادة نموه المستدام، وتنمية التجارة الخارجية.
وتتعدد الشراكات الاستراتيجية والاقتصادية التي تنخرط فيها دولة الإمارات داخل الإقليم، وخارجه؛ لأنها تعي أنّه «من الأهمية العمل مع شركاء دوليين وبشكل تعاوني في المنطقة، للحد من عدم الاستقرار، وتجنّب ظهور فراغ في القوة»، كما أكّد الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، في كلمته بملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثامن (نوفمبر/ تشرين الثاني 2021).
وإذا حاولنا رسم خريطة للشراكات الاقتصادية الدولية للإمارات، يمكن إجمال الاتجاهات التالية:
توجد الشراكة الاقتصادية والشاملة الأساسية لدولة الإمارات مع دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث تتركز المصالح الحيوية للدولة، ويوجد حلفاؤها الرئيسيون في المنطقة.
على المستوى الإقليمي، ثمة شراكات إماراتية تقليدية مع بعض الدول العربية، ولاسيما مصر، وهناك جمع بين الشركاء الخليجيين والعرب في تكتل، أو محور موحد، على نحو ما يُظهره التكتل الإقليمي مع السعودية ومصر. كما تعمد دولة الإمارات إلى تعزيز شراكتها الاقتصادية مع تركيا، وإلى الانفتاح على إيران، والتقارب معها.
وعلى المستوى الدولي، تواصل دولة الإمارات توسيع شراكاتها التقليدية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مؤسسات ودولاً، و لاسيما فرنسا.
وتنخرط دولة الإمارات أيضاً في شراكات استراتيجية مع روسيا والصين، ومع عدد من الدول الآسيوية، وفي مقدمتها الهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة وإندونيسيا، وغيرها.
وثمة توجه إماراتي جديد، ومكثف تجاه إفريقيا، عن طريق تأسيس، أو تعزيز الشراكة الاقتصادية مع عدد من الدول الإفريقية المهمة للمصالح الإماراتية في مناطق القرن الإفريقي، والساحل، والصحراء، وغربي إفريقيا.
وفي الإطار متعدد الأطراف، اكتسبت الإمارات عضوية مجموعة «بريكس»، ويتنامى تعاونها مع مجموعة العشرين، وتكتل آسيان.
والخلاصة، أنّ برنامج تطوير الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية القائمة لدولة الإمارات، وبناء أخرى جديدة، والذي يحظى بمتابعة صاحب السمو رئيس الدولة شخصياً، ويقع في مقدمة المشاريع الرئيسة للخمسين الثانية، يُعد ركيزة أساسية لتعزيز أجندة التنويع الاقتصادي، إحدى ركائز الدولة للاستعداد لمرحلة ما بعد النفط، فضلاً عن إسهامه في تمكين الاستقلال الاستراتيجي للسياسة الخارجية الإماراتية.
* متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية
