شريحة توقظ الضمير

01:38 صباحا
قراءة دقيقتين

«ابتكر باحثون صينيون في جامعة لانتشو في الصين شاحناً لاسلكياً للأجهزة المزروعة في جسم الإنسان، مثل جهاز تنظيم ضربات القلب، قابلاً للزراعة في الجسم، وللتحلل البيولوجي، ولا يتطلب الإزالة أو الاستبدال، ويأتي في تصميم بسيط، ولا يوفر تخزيناً عالياً للطاقة فحسب، بل يتكيف مع الأشكال المختلفة لأنسجة وأعضاء جسم الإنسان..» الخبر العلمي الذي تقرأه في الصحف يفرحك، لكنه يدعوك أيضاً للتساؤل أكثر فأكثر عن هذا التناقض الذي يغرق فيه الإنسان، فهل هو نفسه الساعي إلى إنقاذ البشرية من الأمراض ومن الأزمات الصحية التي قد تعرضه للموت، ويرصد المليارات دعماً للأبحاث العلمية والطبية، قادر على السعي إلى إغراق البشرية في ظلمات العنصرية والتطرف والقتل وإسالة الدماء لعشرات ومئات وآلاف الأشخاص كل يوم، ويدفع المليارات من أجل دعم الحروب والمتقاتلين ومدّهم بالمزيد من السلاح؟.

الإنسان اللاهث خلف التكنولوجيا، والعالِم الساهر على تحقيق أحلامه بتطوير الأبحاث وتيسير الوصول إلى داخل جسم الإنسان وإجراء أدق العمليات الجراحية بأبسط وأحدث وسائل تقنية، وزرع شرائح إلكترونية في جسم المريض.. كيف يرى هذا الإنسان الجانب الآخر من العالم، حيث تسرع الآلة العسكرية لإثبات قدراتها على تدمير مبان مرتفعة بضربة واحدة فوق رؤوس ساكنيها المدنيين من أطفال وأمهات وآباء وشيوخ؟

شركة «نيورالينك» المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك، حصلت في مايو الماضي على الضوء الأخضر من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، للبدء بأول تجربة إكلينيكية على الإنسان، لزراعة شريحة إلكترونية في الدماغ، والهدف بحسب الشركة وصاحبها ماسك، مساعدة الأشخاص الذين يعانون الشلل لاستعادة الحركة والوصول يوماً ما إلى علاج اضطرابات الدماغ، وعلاج جروح الدماغ والحبل الشوكي، «والتمكن من إعادة البصر إلى الأشخاص حتى ولو ولدوا فاقدين له !»

مذهل هذا التطور إذا نجحت التجارب ولم تثبت أي مخاطر جانبية له، ومذهل ما يستطيع الإنسان الوصول إليه إذا أراد تحدي المعوقات وتطوير الأداء وتجميل الحياة وتيسيرها، لكن..

تخيل أن هناك من بدأ بزرع شرائح صغيرة في يده لرصد المجالات الكهربائية حوله، وبعضهم يرتدي شريحة على جلده تمكنه من فتح الأبواب أو غلق هواتفه الذكية عن بعد وبمجرد التلويح بالذراع، بجانب من استغل ذراعه ليزرع شريحة يدفع من خلالها كل فواتيره فتغنيه عن البطاقات المصرفية بكل أنواعها، وعن هاتفه المحمول أيضاً.. بينما تمكن الفنان البريطاني نيل هاربسون المصاب بعمى الألوان منذ مولده، وبمساعدة زوجته من تطوير نفسه وأصبح يمتلك «عيناً إلكترونية» مع هوائي لترجمة الألوان وتحويلها إلى موجات صوتية يتم نقلها مباشرة إلى المخ..

تقرأ الكثير عن التطور العلمي فتأمل وتتأمل ما يحصل في العالم، والسؤال الأهم لا يفارقك: أليس هناك من يستطيع الوصول إلى الضمير البشري علّه يزرع فيه شريحة متناهية الصغر توقظه وترشده إلى معنى الإنسانية وقوانين حماية وحقوق البشر ومفهوم العيش بأمان؟!.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeyr53zv

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"