عادي

البشر..تاريخ طويل من السذاجة

23:01 مساء
قراءة 3 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

السذاجة كمفهوم علمي، لا تبرز كثيراً في الوقت الراهن، بين أبحاث علم النفس الاجتماعي، وقد يتصفح الباحث فهارس كتب علم النفس الاجتماعي، بحثاً عن موضوعات، تندرج تحت كلمة سذاجة دون طائل، وهنا يثور السؤال: لماذا يتم تكريس كتاب لهذا الموضوع؟ ولماذا الآن؟ هذا ما يجيب عنه جوزيف فورجاس وروي بوميستر في مقدمة كتاب «السذاجة وعلم النفس الاجتماعي.. الأخبار الزائفة، ونظريات المؤامرة، والمعتقدات اللاعقلانية»، ترجمه إلى العربية محمد صلاح السيد.

يوضح الكتاب أنه في السنوات القليلة الماضية، وخاصة منذ البريكست، وصعود التيارات اليمينية في عدد من الدول، بما فيها دول داخل الاتحاد الأوروبي، أصبح موضوع السذاجة في الإنسان، أحد أهم الأسئلة المتداولة في الخطاب العام، ويشك غالباً معارضو هذه التطورات أن من صوتوا لصالحها سذج بالضرورة.

السذاجة

وعلى الرغم من أنه نادراً ما تتم دراسة السذاجة دراسة مباشرة في علم النفس الاجتماعي والمعرفي، فإن هذين الفرعين لديهما الكثير مما يسهمان به في فهمنا لكيفية تشويه الأحكام والقرارات الإنسانية وتقويضها، وبالتالي، فإن كتاباً يتناول علم النفس الاجتماعي للسذاجة يأتي في وقته تماماً.

وكما يوضح الكتاب هناك ثروة من البحث التجريبي وثيق الصلة بالموضوع يمكننا الاعتماد عليها لفهم هذه الظاهرة، وهدف هذا الكتاب بالتالي توفير مسح متكامل لما وصل إليه البحث في علم النفس الاجتماعي فيما يتعلق بموضوع سذاجة الإنسان، وبالتالي تقديم إسهام مهم لفهم دورها في الشؤون العامة والمعاصرة.

ويؤكد التعريف المعياري للسذاجة بأن فشل الذكاء الاجتماعي يسهل فيه خداع شخص بسهولة أو التلاعب به للوصول إلى نتائج غير محمودة، السذاجة هنا قريبة الصلة بالغفلة وهي «الميل لتصديق الافتراضات غير المحتملة وغير المدعومة بالأدلة» لذا تكون السذاجة عاملاً مهماً في عمليات التأثير الاجتماعي، حيث إن استعداد الشخص لتصديق معلومات خاطئة أو مضللة يسهل التأثير فيه.

هل هناك معيار مقبول للحقيقة أو واقع نسبي يمكن من خلاله الحكم على الشخص بأنه ساذج؟ نظرياً يمكن استنتاج أن شخصاً ما ساذج في موقف من اثنين، إما أن تكون معتقدات الفرد متعارضة بوضوح مع الحقائق والواقع، أو أن تكون معتقداته مختلفة عن المعايير الاجتماعية المتفق عليها بشأن الواقع.

يمكن وصف من يؤمن بأن الأرض مسطحة في زمننا بأنه ساذج، لتوفر أدلة تجريبية كثيرة تؤكد حقيقة الأمر، إلا أن مسألة معايير السذاجة أكثر تعقيداً بكثير، لأننا نستخدم غالباً مصطلح ساذج لنصف أشخاصاً تنتهك معتقداتهم بعض المعايير المتفق عليها، وليس المعايير العلمية للكيفية التي ينبغي النظر بها للواقع والحياة.

يفيض التاريخ الثقافي للإنسان بأمثلة صارخة على سذاجة البشر، وقد ابتكر البشر في محاولة لفهم العالم الاجتماعي والطبيعي من حولهم، والتنبؤ به، والسيطرة عليه، مجموعة مدهشة من المعتقدات الساذجة السخيفة والشريرة والعنيفة غالباً.

وتظل أمثلة السذاجة الصارخة وخداع الذات والغطرسة والتفكير بالتمني من السمات البارزة في الشأن الإنساني حتى اليوم، بما في ذلك آخر مكان يتوقعه المرء في الأوساط الأكاديمية.

في المجال الاقتصادي- يوضح الكتاب- تنتج السذاجة اللاعقلانية فقاقيع استثمارية متكررة، ويكتسب الطقس الاجتماعي المسمى «كذبة إبريل» شعبيته من السماح لنا بخداع الآخرين بدون عواقب وخيمة، وبالتالي يمثل فرصة لشحذ مهاراتنا في الخداع، وهذه الأمثلة توحي بأن السذاجة ليست مجرد انحراف، وإنما سمة غالبة في حالة الإنسان، ويستمر هذا النمط حتى يومنا هذا، وفي بعض الأحيان مع تبعات تنذر بالخطر.

يرى الكتاب أن أحد المؤثرات المهمة الحديثة في ترويج السذاجة ظهور وسائل التواصل عبر الإنترنت، ونظراً للضرر الذي أحدثته الشعبوية والديماجوجية والأخبار الزائفة والمد المتصاعد لسياسات الهوية والقومية في حياتنا العامة، فإن فهما أفضل لعلم النفس الاجتماعي للسذاجة يعد الآن بالغ الأهمية.

أحد المصادر المحتملة للسذاجة ميل البشر شبه العام إلى قبول المعلومات الواردة بدلاً من رفضها، وطبقاً للمنطق الفلسفي عند سبينوزا يوجد الآن دليل قوي يوحي بأن الإنسان يولد بطبيعته مصدقاً، تصنف المعلومات الواردة ابتداء على أنها صحيحة، وتتطلب عملية دحضها بعد ذلك مزيداً من الوقت والجهد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5a3n8mds

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"