«النظام الدولي الأمريكي»

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

يدأب الرئيس الأمريكي جو بايدن وغيره من المسؤولين الأمريكيين على استخدام مصطلح «النظام الدولي القائم على القواعد»، وذلك في مؤتمراتهم الصحفية واللقاءات الدولية، مؤكدين الحاجة للحفاظ عليه، من دون أن يُفصحوا عن ماهية هذا النظام، وما هي قواعده بالضبط. لكن من الواضح أنه يعني الإبقاء على النظام الدولي القائم الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ورفض قيام نظام دولي جديد أكثر عدلاً ومساواة وإنسانية وأخلاقية.

فالنظام الذي تريد الولايات المتحدة تأبيده هو نظام القوة والحروب الدائمة والهيمنة والانتقائية، الذي يلغي القانون الدولي ودور المنظمة الدولية، ويُعلي من القواعد والقوانين الأمريكية ويفرضها على العالم.

هذا المصطلح ليس جديداً في الواقع، فقد استخدمته الولايات المتحدة إبّان الحرب على العراق وغزوه عام 2003؛ لتبرير الغزو من دون تفويض من الأمم المتحدة، وهي تعاود استرجاعه الآن؛ لتبرير رفضها قيام نظام دولي جديد، والمضي في ممارسة سياسة الهيمنة، وشن الحروب بالوكالة كما في أوكرانيا، وتصعيد الصراعات كما الحال مع الصين، وفرض العقوبات الاقتصادية الجائرة على الدول التي ترفض سياساتها.

لقد فضحت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة هذا المصطلح، وعرّته من كل معانيه أمام المجتمع الدولي؛ إذ اتضح أن مصطلح «النظام القائم على القواعد»، هو نظام بديل للقانون الدولي ويهدده. ويرى ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، أن الولايات المتحدة مستعدة دائماً «لتجاهل القانون والقواعد، أو التهرب منها أو إعادة صياغتها متى بدت غير ملائمة لها». وهذا ليس عامل قوة، إنما هو عامل ضعف، ذلك أن الولايات المتحدة التي تشهد انحداراً في دورها ونفوذها وقوتها في مواجهة قوى دولية أخرى صاعدة، تبدأ في الحديث عن القواعد، تلافياً لقيام نظام دولي متعدد الأقطاب.

إن السلوك الأمريكي الأخير في مجلس الأمن في تعطيل مشروع قرار قدّمته دولة الإمارات باسم المجموعة العربية والإسلامية وبتأييد أكثر من مئة دولة، لوقف إطلاق النار في غزة لدواعٍ إنسانية، يؤكد أن «القواعد الأمريكية» المشار إليها هي قواعد لا إنسانية ولا أخلاقية، وتتعارض بالمطلق مع القانون الدولي والإنساني، وتشكل تحدياً للرأي العام العالمي، وحتى لجزء وازن من الرأي العام الأمريكي الذي يرفض حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد المدنيين في قطاع غزة.

لذلك جاء موقف دولة الإمارات من «الفيتو» الأمريكي واضحاً في تفسيره باعتباره «أضاع فرصة لوقف نزيف الخسائر البشرية، وألقى بظلال سلبية حول قدرة المجتمع الدولي على حماية المدنيين خلال الصراعات المسلحة»، مؤكداً «حاجة العالم إلى توحيد معاييره الأخلاقية وانحيازه إلى الإنسانية»، باعتبار أن «الفيتو» الأمريكي قوّض دور الأمم المتحدة كضامن للأمن والسلام الدوليين، وأهدر كل المفاهيم الأخلاقية والإنسانية التي تعزز القيم الإنسانية. وهكذا بات مصطلح «النظام الدولي القائم على القواعد» يعني أيضاً دعم العدوان، وإعطاء تصريح بمواصلة حرب الإبادة، وتقديم كل أسلحة الدمار والقتل لتحقيق هذا الهدف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ykcucb73

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"