عادي

مصر.. انتخابات رئاسية مفصلية

23:58 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أحمد سيد أحمد*

على مدار ثلاثة أيام (10 و11 و12 ديسمبر) شهدت مصر في الداخل، بعد تصويت المصريين في الخارج، انتخابات رئاسية مهمة لأكثر من 67 مليون شخص، لهم حق الانتخاب ضمن 11631 لجنة فرعية، في 27 محافظة، وتحت إشراف قضائي كامل، بمشاركة 15 ألف قاض، لاختيار رئيس الجمهورية من بين أربعة مرشحين، هم الرئيس الحالي والمرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، والمرشح عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد، والمرشح فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، والمرشح حازم عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري.

على خلاف الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية السابقة في مصر، شكّلت هذه الانتخابات الرئاسية محطة حاسمة في مسار مصر، واتسمت بخصوصية كبيرة من حيث السياق الذي جرت فيه، ومن حيث دلالتها والنتائج المترتبة عليها.

من حيث السياق، جاءت في ظل تحديات كبيرة، داخلية وخارجية، تواجه مصر، خاصة مع اشتعال الأوضاع في غزة، واستمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وإصرار حكومة الاحتلال على التهجير القسري للفلسطينيين، وتوطينهم في سيناء، وهو ما أدركته القيادة المصرية، ووضعت خطوطها الحمراء، ولاءاتها الحاسمة برفض هذا التهجير، ورفض توطينهم في سيناء، أو تصفية القضية الفلسطينية، على حساب الأمن القومي المصري، وسعت، بدعم عربي وخليجي، خاصة بعد القمة العربية الإسلامية في الرياض لحشد الدعم الدولي لرفض هذه المخطط.

رسالة إلى العالم

وقد أدرك الشعب المصري أن هناك خطورة حقيقية تهدد الأمن القومي لمصر، ولذلك شارك بكثافة في الانتخابات، لإعطاء رسالة واضحة ومحددة للعالم بأن الشعب المصري كله يلتف ويقف خلف دولته، وقيادته، في رفض هذه المخططات، ويدعم ما تقوم به الدولة من إجراءات لمواجهة هذه التحديات، ما عكَس الوعى السياسي الكبير لدى المصريين، خاصة في أوقات المحن والأزمات. فرغم التحديات الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع والمنتجات، إلا أن المصريين أدركوا أن هناك مخاطر كبيرة تحيط بالدولة المصرية، خاصة أنه لأول مرة تشتعل الأوضاع على حدود مصر الغربية والجنوبية والشرقية، في السودان وليبيا، ما يتطلب وحدة الصف الداخلي، وتعزيز الجبهة الداخلية وتحقيق الاصطفاف الوطني بين الشعب والدولة لمواجهة هذه التحديات.

مسيرة التمية والنهضة

وبالنسبة إلى التحديات الداخلية، خاصة الاقتصادية، واستمرار الأزمات العالمية، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، وما أفضت إليه من تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي، وبالطبع الاقتصاد المصري، وارتفاع معدلات التضخم، فإن الشعب المصري شارك في الانتخابات بكثافة أيضاً، انحيازاً لاستكمال مسيرة التنمية والنهضة الشاملة التي تشهدها البلاد منذ عشر سنوات، في مختلف المجالات، في إطار الجمهورية الجديدة، وإعادة بناء مصر الحديثة، ما انعكس في المشروعات القومية الضخمة التي شهدتها مصر، وكذلك الإنجازات على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنها «مشروع حياة كريمة» الذي يستهدف تحقيق نقلة نوعية في حياة أكثر من 60 مليون مصري يعيشون في الريف، إضافة إلى المبادرات الصحية المختلفة للقضاء على الأمراض، وكذلك إنشاء بنية أساسية حديثة ومتطورة. وبعبارة أخرى فإن الشعب المصري أدرك أنه رغم الصعاب الاقتصادية التي يعاينها المواطن البسيط، إلا أن الثمن هو تحقيق النهضة المصرية، ولذلك صوّت بكثافة في الانتخابات.

دلالات مهمة

الانتخابات اتسمت بالعديد من الدلالات المهمة، أبرزها أنها انتخابات تعددية نزيهة، حيث لأول مرة تتم الانتخابات بين أربعة مرشحين، منهم ثلاثة رؤساء أحزاب، كما أنها جرت تحت إشراف قضائي كامل، وبحرية كاملة للإعلام والمنظمات الدولية في متابعة الانتخابات، كما أنها انطلقت من أرضية وطنية بين المرشحين الأربعة، وليس انطلاقاً من خلفيات دينية وطائفية، كما حدث في عهد جماعة «الإخوان» الإرهابية، وجرت وسط أجواء من الأمن والاستقرار في مشهد حضاري. ولم تشهد الانتخابات أية خروقات، أو تجاوزات جوهرية، يمكن أن تؤثر في نتائج الانتخابات التي ستعلن رسميا يوم18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وفقاً للجداول الزمنية التي وضعتها الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات التي قدمت كل التيسيرات والتسهيلات اللوجستية لإجراء الانتخابات بسلاسة، ويُسر، للمصريين سواء في الداخل، أو في الخارج، عبر السفارات والقنصليات المصرية، وعكست حضوراً كبيراً من جانب المصريين المغتربين حرصاً على دعم الدولة المصرية في مواجهة التحديات، وحرصاً على ممارسة حقوقهم السياسية في اختيار من يمثلهم في قيادة مصر خلال السنوات الست المقبلة.

تداعيات عدة

نتائج الانتخابات ستشكل عاملاً مهماً في المسار السياسي والاقتصادي لمصر خلال السنوات المقبلة، فالرئيس القادم أمامه العديد من التحديات، الداخلية والخارجية، والأولويات المهمة، أبرزها مواجهة التحديات الاقتصادية، خاصة ارتفاع معدلات التضخم، والعمل على استكمال المسيرة التنموية التي بدأت منذ عشر سنوات، رغم التحديات الاقتصادية العالمية، والظروف الإقليمية المضطربة. وكذلك مواجهة التحديات الخارجية خاصة الأوضاع المضطربة في غزة واستمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والعمل على منع مخطط التهجير القسري للفلسطينيين الذي تسعى إليه حكومة الحرب الإسرائيلية. كذلك التعامل مع الأوضاع المشتعلة في السودان وليبيا والتي تؤثر بشكل مباشر في الأمن القومي المصري، فقد أدى استمرار حالة اللا حسم السياسي والعسكري في البلدين إلى جعلها أزمات مفتوحة ولها تداعيات سياسية وأمنية وإنسانية سلبية، وغياب الدولة الوطنية والمؤسسات القومية التي تسيطر على الحدود لمحاربة الإرهاب والهجرة غير المشروعة. وهناك أيضاً تحديات استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وانعكاساتها السلبية على مصر، إضافة إلى حالة الاستقطاب الحادة في النظام الدولي، بين أمريكا وحلفائها، في المعسكر الغربي من ناحية، وبين كل من روسيا والصين وحلفائهما من ناحية أخرى، وامتداد هذا الاستقطاب إلى منطقة الشرق الأوسط، خاصة في غزة وسوريا وليبيا، وغيرها، ما يتطلب تحركات مصرية وعربية للتعامل مع هذه المتغيرات والتحديات لتعظيم المصالح المصرية والعربية.

وبانتظار إعلان نتائج الانتخابات رسمياً، لكن من الواضح أن الرئيس السيسي سوف يحظى بعهدة رئاسية جديدة لاستكمال عملية التنمية والتطوير التي بدأها.

*خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/58fy2dzr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"