ثلاثون ألف عام حضارة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: ما لك كأنك أو كما لو كنت؟ هل أنت مضطربٌ أم مضطرمٌ، أم محتدٌّ أم محتدمٌ، أم مصطدمٌ أم منصدمٌ؟ قال: لا أنت الذي بدأ النكالة والنكاية في الكلام فخاب ظني. كل ما هنالك أنني حائرٌ بل خائرٌ جرّاء سلوك غربي جائر. انطلت عليهم حماقة ذلك الذي توهّم أن الغرب حديقة، وأن بقية العالم أدغال! يقيناً، مناهجهم في الإنسانيات نطيحة متردية. أمخاخهم انطمرت في عصر الفايكينج والفاندال، فهم لا يفقهون.
قلت: أثرت فضولي فتفضّل. قال: أولئك قوم غرّهم التقدم فحسبوا أن المنطق العلمي ملصق أبديّ ثابت غير متحول. قادهم الوهم إلى استدلال لا يصلح إلاّ لأن يُلحق بكتاب «أخبار الحمقى والمغفلين»، حدا بهم الغرور إلى القياس البيولوجي، سوّل لهم أن رهطهم بمثابة اللاّحمات في العاشبات، فالسباع ستظل مدى الدهر الآكلة، وحُمُر الوحش والغزلان، الفرائس المأكولة، فلا تبديل ولا تحويل. من عجب أن لديهم أساتذةً نجباء في تاريخ الأمم والحضارات، من النشوء والارتقاء إلى الاحتضارات، «ولكن تعمى القلوب التي في الصدور».
قلت: الذنب ذنب مناهجنا. تُرى أيّ بلد عربي يُدرّس تاريخ الحضارات التي قامت قديماً على خريطة العالم العربي اليوم؟ كيف للطفل العربي الذي سينمو مراهقاً وشابّاً وكهلاً أن يعلم ويدرك فيؤمن بأنه واقف على ميراث حضاري مجموعه أكثر من ثلاثين ألف عام: مصر القديمة، وادي الرافدين، أوغاريت، إرث الآراميين والكنعانيين، الجزيرة العربية وامتدادات الحضارة الإسلامية من جاكرتا إلى الأندلس؟ ما الذي يضير مفاخر هذه العظمة على مرّ آلاف السنين أن يقفز نفر من ذوي الرعونة في كتابة التاريخ، من اليونان القديمة إلى عصر النهضة الأوروبية، وكأن شيئاً لم يكن؟ ألا إن الكذب والتزوير وحياكة الأباطيل فطرة فطروا عليها، وليست مجرد عادة سيئة آنية. عليك بالبحث والاستقصاء، سترى أن أوسمتهم ونياشينهم إنما تتوشح بها صدور كل أفّاق أفاك. قال: وما الذي يمنع المناهج من أن تحوّل جماجم الأجيال إلى صروح شاهقة شامخة مترامية الأطراف لثلاثين ألف عام من الحضارات على أرض العرب؟ قلت: لحظة يقظة الوعي تبعث تلك الحضارات من رقدة العدم.
لزوم ما يلزم: النتيجة الرياضية: القلم يستمتع بعلكته الدائمة: الشعوب ليست أكياساً للملاكمة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdfs34sc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"