الشيخ زايد والقبيلة.. البرزة نموذجاً

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. صلاح الغول*
في المقال الفائت، الذي تلقاه القارئ لقاء حسناً، ألقينا نظرة شاملة على الأبعاد القبلية والعروبية والإسلامية والإنسانية للشيخ زايد، طيب الله ثراه؛ لكونها أيديولوجية توفيقية. وسوف نشرع منذ اليوم في تفصيل هذه الأبعاد؛ حتى تتضح الصورة عن هذا التوجه الفكري الذي يمثل «تراث زايد».

وإذا بدأنا بالبعد القبلي للشيخ زايد، رحمه الله؛ فأهم ما أضافه القائد المؤسس، هو التوفيق بين القبلية «التقليدية»، والحداثة، وترسيخ دور البرزات، أو المجالس القبلية، ومأسستها. فقد تمكن المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، حتى من قبل أنْ يتولى زعامة بني ياس، من تطوير الثقافة القبلية، بحيث إنها لم تعُد عقبة أمام عملية التحديث، وإنما غدت قادرة على التكيّف مع التغيّرات الجديدة، واستيعابها. ولعل هذا واضح في مجمل التراث، المادي والمعنوي، الذي خلّفه الشيخ زايد، ويمثل أساس دولة الإمارات القائمة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة.

وبالنسبة إلى البرزات، أو مجالس الحكام، فهي تعني، أول ما تعنيه، أن المواطنين يستطيعون الوصول إلى «شيوخهم»، والتواصل معهم بسهولة، من دون عوائق. وتقوم البرزات بدورٍ فعّال في تعزيز تواصل الحكام مع المواطنين في دولة الإمارات. وتُعد مجالس الحكام أحد تقاليد «السياسة العامة» في دولة الإمارات، لإدارة شؤون أفراد الشعب.

وتوفر هذه المجالس أرضية خصبة للمشاركة الشعبية بأوسع معانيها، سواء من خلال قيام المواطنين بطرح قضاياهم وهمومهم الخاصة أمام الحاكم، أو التداول في قضايا عامة، على حدٍ سواء. كأنّ هذه المجالس تمثل برلماناً مفتوحاً أمام المواطنين، أو منتدى يتيح لهم مناقشة ما يُطرح من أفكار، عامة أو خاصة. وقد قام الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، بصقل هذه الممارسة، وحثّ المواطنين على حضور برزاته، وبرزات إخوانه حكام الإمارات، وأولياء العهود، ونواب الحكام، وتشجيعهم على عرض مشاكلهم، أو المشاركة في النقاش الدائر.

ولا يقتصر دور مجالس الحكام على تدارس الشأن العام وتبادل الآراء حول القضايا المجتمعية. فقد أخذ بعض المجالس ينهض بدورٍ مهم في تنوير العقول، ونشر الثقافة والمعرفة بين أفراد الشعب. ويستضيف المجلس لهذه الغاية أفضل الطاقات والعقول في مختلف التخصصات، ومن مختلف بلدان العالم، ليتفاعلوا مع الحضور الذين يمثلون مختلف الشرائح في المجتمع. ولعل ذلك يفسّر حرص الشيخ زايد، وخلفاؤه من بعده، على أنْ يضم لمجلسه الكثير من المفكرين والأدباء والشعراء.

أضف إلى ذلك، أن المجالس القبلية التي تُعد منتديات عامة للنقاش المفتوح والحر، والشورى، هي خير تجسيد لديمقراطية الصحراء، كما أسمتها جوينتي مايترا، في كتابها الموسوم «زايد: من التحدي إلى الاتحاد»، عام 2007. ويمكن فهم جوهر هذا المفهوم من القول للشيخ زايد الذي يذهب فيه إلى أن «الديمقراطية في الإمارات العربية المتحدة ليست شعارات، وليست مجرد نصوص في الدستور؛ إنها واقع عملي، سواء على مستوى السلطة العليا للبلاد، أو على المستوى الشعبي».

وثمة تقليد آخر أرساه الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، وسار على نهجه إخوانه وخلفاؤه في أبوظبي، وسائر إمارات الدولة، وهو مأسَسة هذه المجالس؛ بمعنى وضع قواعد مؤسّسية لها، من تجنيد هيئات أو لجان لإدارتها واختيار المتحدثين وطرق تقديم الشكاوى ومتابعة الاستجابات، وغيرها.

وفي كل إمارات الدولة، يترقب المواطنون البرزات العديدة «المجدولة» أسبوعياً، لشيوخهم، بداية من صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، في برزته الأشهر بقصر البحر، يوم الثلاثاء، مروراً ببرزات أصحاب السمو الحكام، وسمو أولياء العهود، ونواب الحكام، وانتهاء بالمجالس الخاصة بكل منطقة، أو قبيلة. وهذا هو جوهر «سياسة الباب المفتوح»، التي تجعل من التواصل المباشر بين القاعدة والقمة، أو الحاكم والمحكوم، سمة أساسية من سمات الحكم في دولة الإمارات.

ويسألونك لما يرتبط مواطنو الدولة ب«معازيبهم»، ويرضون عنهم، ويثقون بهم، فإن هذه القنوات المفتوحة من أعلى لأسفل، ومن أسفل لأعلى، وعدم وجود حواجز تقف حائلاً أمام أي مواطن لعرض مطالبه على الحاكم.. يفسر ذلك. وهذا التفاعل بين القيادة والشعب رسّخه القائد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وجعله أساساً ثابتاً للعلاقة بين الحاكم وشعبه، وقاعدة أساسية للحكم الصالح، أو الرشيد في دولة الإمارات.

*متخصص في العلاقات الدولية والقضايا الجيوسياسية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5xwaphfa

عن الكاتب

كاتب متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الجيوسياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"