أكثر من نصف قرن هو العمر الزمني لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، غير أن عمره الثقافي هو أكثر من ذلك بكثير، منذ انطلاقه في ستينات القرن العشرين، وحين تقول الستينات، فأنت تعود بذاكرتك إلى مصر حين كانت آنذاك في ذروة حيويتها الفنية والسينمائية والصحفية والأدبية في الرواية والشعر والقصة القصيرة والنقد الأدبي: نجيب محفوظ، إحسان عبدالقدوس، يوسف إدريس، أنيس منصور، عبدالرحمن بدوي، غالي شكري، صلاح عبدالصبور، أحمد عبدالمعطي حجازي، وغيرهم من كواكب إبداعية.
نربط دائماً بين معرض القاهرة الدولي للكتاب وبين صورة مصر الثقافية، بل، وصورة العرب الثقافية، هذه الصورة التنويرية بامتياز وأساساتها كبار في الأدب والمسرح والنثر والنقد: العقّاد، الحكيم، زكي مبارك، وغيرهم من قامات عالية ما زالت حية في الذاكرة الثقافية العربية.
صورة مصر، التي هي صورة مكثفة في تاريخ المعرض، لم تكن مضيئة فقط على مستوى الأدب، بل تتجاور إلى كل ذلك المسرح، والفنون التشكيلية، والنقد الأدبي، والسينما، ولعلّ علاقة السينما بالأدب في مصر هي الأكثر تبلوراً إبداعياً في تاريخ الثقافة العربية، فقد أخذت السينما المصرية أولاً من الرواية المصرية، وكانت أعمال نجيب محفوظ، وإحسان عبدالقدوس على سبيل المثال لا الحصر أبرز الأمثلة الحية إلى اليوم على تلك العلاقة المباشرة أو الاتصالية إن جازت الكلمة بين فنّين راقيين شكّلا في مرحلة من مراحل الثقافة وجدان المصري والعربي عموماً.
الإمارات بمؤسساتها الثقافية وفعالياتها حاضرة في معرض العرب بالقاهرة.. الإمارات حاضرة بالمعرض في هذه الدورة الحالية التي انطلقت في القاهرة، كما هي حاضرة في عروس النيل خلال الدورات السابقة.
تمثيل الثقافة الإماراتية في مصر وفي كل معرض كتاب عربي وأجنبي بات ظاهرة وطنية إماراتية بالدرجة الأولى، ثم، لا يقتصر أمر مشاركة الإمارات في هذه التظاهرات الثقافية والنشرية على الأجنحة وعرض الكتب فقط، بل، وإلى جانب هذا التمثيل الثقافي تنظم المؤسسات الإماراتية المعنية بالشأن المتخصص هذا، مجموعة من الفعاليات والأنشطة التي تعكس طبيعة وخصوصية الثقافة الإماراتية الحديثة والتراثية، وتعرّف بها للمثقف المصري، وهو في الأصل ليس غريباً ولا بعيداً عن هذه الثقافة وهذه الفنون والأدبيات والترجمات القائمة في الدولة على مدار الأعوام الماضية، وهي اليوم، علامة ثقافية عربية إماراتية يُنظر إليها باحترام في معرض عريق مثل معرض القاهرة، وكل معارض الكتب العالمية.
