عادي

«الولد الصغير» وضع العالم على مشارف عصر جديد

01:40 صباحا
قراءة 4 دقائق

القاهرة: الخليج

قرر المؤرخ الراحل الدكتور رؤوف عباس، ترجمة كتاب «يوميات هيروشيما (6 أغسطس – 30 سبتمبر 1945) لكاتبه متشهيكو هاتشا عندما كان يقيم في اليابان، بعد حصوله على الدكتوراه، في مهمة علمية، مدعواً من معهد اقتصاديات البلاد النامية في طوكيو، وأثناء إقامته هناك بدأ اهتمامه بتاريخ اليابان، وكان ثمرة هذا الاهتمام تأليفه عدة أعمال، تتناول التاريخ الحديث لهذا البلد.

كما أن قيامه بزيارة هيروشيما وناجازاكي المدينتين اللتين تعرضتا للقنبلة الذرية، أثناء الحرب العالمية الثانية، وقراءاته بالإنجليزية عمّا تعرضتا له، من جراء القصف النووي، فضلاً عن ملاحظته افتقار المكتبة العربية إلى كتابات، تلقي الضوء على هذه الجريمة، كان سبباً رئيسياً في ترجمته مذكرات الطبيب الياباني متشهيكو هاتشا التي وثق فيها شهادته، بصفته طبيباً، عمل على علاج المصابين في حادث القصف النووي لمدينة هيروشيما.

ضم عباس إلى الترجمة شهادات بعض من عاصروا هذا الحادث الأليم، واستهلها بمقدمة طويلة، لخص فيها للقارئ العربي تاريخ اليابان الحديث، وصعود الفاشية، التي أدت باليابان إلى هذه النهاية الكارثية، كانت مأساة هيروشيما إيذاناً ببداية عصر جديد، تلعب فيه الأسلحة الذرية دوراً مهماً في حسم الصراع بين القوى الكبرى، وبداية لتسابق من نوع جديد.

*وثيقة

هذا الكتاب يمثل وثيقة تاريخية إنسانية تصور أبعاد المأساة والآثار التي ترتبت عليها، وهي عبارة عن يوميات حرص على تدوينها شاهد عيان عاصر الحدث منذ بدايته صباح السادس من أغسطس عام 1945 من موقع المسؤولية، كمدير لمستشفى مصلحة المواصلات بالمدينة حتى آخر سبتمبر من العام نفسه، حين تسلمت المستشفى لجنة طبية أمريكية لإدارته.

زار الدكتور عباس هيروشيما ثلاث مرات خلال وجوده باليابان، طاف خلالها بأرجاء المدينة، ليستطلع معالم المسرح، الذي دارت عليه حوادث الكتاب، الذي دونه مؤلفه على شكل يوميات كان يكتبها يوماً بيوم أحياناً، أو يكتب حوادث بضعة أيام في وقت واحد أحياناً أخرى، واهتم بصفة خاصة برصد المشكلات الطبية التي واجهته والعاملين معه من الأطباء والممرضات بعد الحادث.

في الطريق إلى هيروشيما يشير الدكتور عباس إلى أن اليابان بدأت التحول إلى دولة حديثة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وما كان القرن ينتهي حتى برزت اليابان كدولة صناعية امتدت أطماعها إلى البلدان الآسيوية القريبة منها، فاجتاحت كوريا واستعمرتها وحققت نصراً عسكرياً على روسيا القيصرية في عام 1904 ثم تطلعت إلى الصين فبدأت تدق أبوابها منذ نهاية العقد الأول من القرن العشرين، وامتد نفوذها إلى منشوريا ومنغوليا، ورأى الشعب الياباني في هؤلاء العسكريين أمله المنشود في إصلاح ما أفسدته حكومات الأحزاب التي تعاقبت على الحكم منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.

فجّر الغزو الياباني لمنشوريا عام 1931 الصراع بين الصين واليابان، وأدى فشل الجهود الدولية لوضع حد للتدخل الياباني في الصين إلى تشجيع اليابان على التماس حليف في القارة الأوروبية، فوقعت مع ألمانيا معاهدة دفاع مشترك في نوفمبر 1936 ثم ما لبثت أن وقعت نفس المعاهدة مع إيطاليا.

لم تقف أمريكا مكتوفة الأيدي إزاء هذه التطورات، فوجه الرئيس روزفلت ضربة إلى المصالح اليابانية، حين أصدر مرسوماً بتجميد الأموال اليابانية في بنوك أمريكا، وفشلت محاولات تأجيل الصدام بين البلدين، فشن اليابانيون هجومهم المشهور على بيرل هاربور في 7 ديسمبر فأعلنت أمريكا الحرب على اليابان في 11 ديسمبر عام 1941.

يذهب بعض المؤرخين الأمريكيين إلى أن حادث بيرل هاربور كان من تدبير حكومة الرئيس روزفلت التي سعت إلى إقناع الشعب الأمريكي بالدخول في الحرب إلى جانب دول غرب أوروبا ضد دول المحور، فتراخت في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لاتقاء الضربة اليابانية الأولى، رغم تمكن المخابرات الأمريكية من حل الشفرة اليابانية، وعلمها المسبق بمخططات اليابان العسكرية.

*حصاد

الكتاب يعالج حصاد سياسة التوسع على حساب الشعوب في جنوب شرقي آسيا والصراع الإمبريالي في المنطقة الذي انتهى بهزيمة ساحقة ودشن سلاحاً رهيباً جدياً استخدم لأول مرة هو القنبلة الذرية.

تم إنتاج القنبلة في مطلع عام 1945 وتمت تجربة أول تفجير نووي في التاريخ بصحراء نيومكسيكو في 16 يوليو واطمأنت القيادة الأمريكية إلى فاعلية السلاح الجديد، وبدأ منذ ذلك التاريخ العد التنازلي لاستخدام القنبلة «الولد الصغير» في قصف هيروشيما والقنبلة «الرجل السمين» في قصف ناجازاكي.

أقلع السرب الأول الذي يحمل«الولد الصغير» في صبيحة السادس من أغسطس متجهاً صوب هيروشيما، وكان يتكون من 3 طائرات تحمل إحداها القنبلة، أما الثانية فتحمل بعض العلماء الذين اشتركوا في المشروع، لتسجيل النتائج العلمية للقصف، وحملت الطائرة الثالثة آلات التصوير وبعض الفنيين.

في صباح التاسع من أغسطس أقلع السرب الثاني يحمل القنبلة «الرجل السمين» والعلماء والأجهزة الفنية وآلات التصوير قاصداً ناجازاكي وألقيت على المدينة في الثامنة والنصف صباحاً، لتلحق بالمدينة دماراً شاملاً، فتحطمت آمال العسكريين اليابانيين في عقد سلام مشرف، واضطروا إلى القبول بشروط الحلفاء والتسليم لهم نهائياً في 14 أغسطس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4wx72nfj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"