دولة الشعر

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

أيام قليلة بين مهرجان الشعر العربي في الشارقة، ومهرجان الشارقة للشعر النبطي، في دورته الثامنة عشرة التي تبدأ يوم الاثنين المقبل في قصر الثقافة، بمشاركة عشرات من الشعراء والشاعرات من الوطن العربي الذي ما زال يعتمد (ديوان العرب)، تعريفاً تاريخياً ووجدانياً لفن الشعر، فن اللسان والأذن والقلب، وهو أيضاً ديوان الفصيح كما هو ديوان النبطي.

المسافة الزمنية بين المهرجانين لها دلالاتها الرمزية والواقعية في مشروع الشارقة الثقافي.. أولاً:.. الشعر بجناحيه الفصيح والنبطي عمود رئيسي في هذا المشروع الإماراتي، العربي، العالمي، وثانياً:.. الشعر بجناحيه أيضاً هو «دولة» اللغة العربية إن جاز التعبير..

لا يقوم شعر عظيم في العالم، ويصبح ذاكرة جمالية في جهات الأرض كلها.. إلّا إذا قام في الأساس على لغة عظيمة، واللغة العربية، لغة آدم، ومبتدأ كل لغات الأرض والبشرية تتأكد عظمتها من خلال تاريخها، ومن خلال تأثيرها في لغات العالم، ومن خلال مرونتها في الحياة وفي العصور، وقابليتها التلقائية لإيجاد «خلايا لغوية»، تتجدد وتنمو وتعيش في الزمن وفي الحياة.. لتصبح أخيراً شكلاً من أشكال الهوية والشخصية والكينونة الثقافية..

اللغة العربية، لغة شعرنا ولغة ديواننا القديم، والجديد، أعطت الشعر الفصيح والنبطي خصائصها البلاغية، واللسانية والصوتية. كل حرف عربي له صوت، وله مكان محدّد في الفم وعلى اللسان. كل حرف له إيقاع وله موسيقا، بل لكل حرف طاقة جمالية تشكيلية تصويرية حروفية، ولكل حرف في العربية له بنية خطوطية، بل، لكل حرف في لغتنا الأم طبيعة صوتية تحيل إلى الحنان، والرفق، والهمس، والطيبة، والبهجة، والحزن، والفرح..

لغتنا العربية (الأم- والأب)، لغة إصغاء حين تعطي كل طاقة السمع عندك للحرف، وهي لغة ذكاء حين تتأمل خصيصة الاشتقاق، والكناية، والاستعارة، والإيجاز، كم هي لغة سرعة البديهة حين تعود إلى تاريخ الشعر العربي، وتقرأ عن شعراء ارتجلوا قصائد في لحظة، وهم يقفون أمام خلفاء وحكام وقضاة وقادة ورجال دول، ولم ينقذ رؤوسهم من السيف إلّا اللغة والشعر وسرعة قوله بحكمة وبلاغة وذكاءْ.

يستعيد المرء تاريخ جماليات العربية (الأم والأب)، ويستعيد هذه الشخصية اللغوية العالمية التي تجد صورة كبريائها، وكرامتها هنا في الشارقة.. في جناحي الشعر:.. الفصيح والنبطي الفصيح..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4s5fcc66

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"