عادي

البشر لعبة بيد الهاتف الذكي

20:35 مساء
قراءة 3 دقائق
غلاف الكتاب
إلزا غودار

القاهرة: الخليج

عنوان هذا الكتاب هو «أنا أوسيلفي إذن أنا موجود.. تحولات الأنا في العصر الافتراضي» وموضوعه «السيلفي» أي الصورة العرضية والهشة، التي تملأ مساحات العوالم الافتراضية، ويتم تداولها داخل فضاء أفقي، تخلص من أبعاد العمق فيه، ليصبح حاضناً لكل أشكال الوهم والتيه والتضليل، والقليل من حقائق العلم والحياة.

إنها صور لا تنظر إلى معطيات الواقع، بل تعيد إنتاج نسخ عابرة في العين والوجدان، وتلك إحدى خصائص «الصور المزيفة» أو هي الشكل الوحيد الذي يمكن أن تحضر من خلاله المحاكاة الساخرة، أو المضللة للواقع، فنحن نمسك من خلالها بأشباه أشياء أو كائنات، أو ننتقي من عوالمها حقائق، لا تعمر في الذاكرة إلا قليلاً.

ترى مؤلفة الكتاب إلزا غودار (ترجمه إلى العربية وقدم له «سعيد بنكراد») أن الأمر يتعلق بممارسة اجتماعية غير ثابتة، ولا يمكن تحديدها بدقة، أو تعميمها في أغلب الأحيان، لكنها لا تتوقف مع ذلك عن إثارة الأسئلة الخاصة بالعلاقة مع الذات، ومع الصورة ومع الآخرين ومع العالم، ومع التكنولوجيا الحديثة والعلاقة المستحدثة بين الذات والموضوع ودورها الاجتماعي.

تضعنا إلزا غودار أمام وضعنا في العصر، الذي نعيشه، فهذه العملية مثل جبل الجليد الذي لا يظهر منه سوى الجزء السطحي، فيما يستمر بعيداً في الأعماق؛ فمن خلاله نحلل النرجسية، وأثر التكنولوجيا والعصر الرقمي في أنماط الحياة، وتحول الصورة كخطاب مستقل بذاته، وصولاً إلى ما تسميه بـ«ثورة الأنا».

تخلص غودار إلى أن هواتفنا، باتت تغير بشكل جذري في علاقتنا بالعالم العاطفي، وبالعالم بشكل عام، إذ تشير مثلاً إلى أن الهاتف بات الشريك الأقرب للإنسان الحديث، محدثاً حوله دائرة أولى قبل أي علاقة بشرية، كما أنه يسهل الانسحاب من عالم العلاقات البشرية، وهو ما يمكن ملاحظته في أماكن التجمعات العامة كوسائل النقل أو الخدمات الاجتماعية، فتحضر الأجساد فيما تكون العقول في عوالم أخرى.

أصبح السيلفي من خلال مظاهره المتعددة والتافهة رمزاً لمجتمع في عز تحولاته، مجتمع يديره الشباب، بفضل تمكنهم من التكنولوجيا الجديدة، إنه دليل على منعطف حاسم، عرفه عالمنا منذ سنوات، مع ظهور الرقمية، وهكذا أصبح من الضروري فهم ظاهرة السيلفي، ووضعها ضمن تفكير شامل حول ما يدبر في الفضاء الافتراضي، الذي لا يتوقف عن التطور، وخاصة ضمن العلاقات التفاعلية بين الناس.

تشير المؤلفة إلى أننا يمكن أن نطلق على هذه اللحظة، التي ابتدعت فيها الذات الإنسانية، من خلال الرقمية علاقة جديدة مع نفسها، ومع العالم، مرحلة السيلفي، فليس العالم هو الذي تغير، بل طريقة إدراكنا له هي التي تغيرت، وتحقق ذلك من خلال ظهور وسيط بيننا وبينه، هو هذا الشيء الهجين الحاضر دائماً، هو في الوقت ذاته الهاتف والشاشة والآلة الفوتوغرافية والحاسوب.

تتساءل غودار، كيف يمكن لموقف يبدو بسيطاً وعفوياً في بدايته أن يصبح دالاً على تحولات جذرية في علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين وإثارة الانتباه إلى ممارسات نقوم بها من دون أن نفكر فيها في الغالب من الحالات، كما هو الشأن مع العبث الدائم بشاشة المحمول، كما لو أن الافتراضي قد استغرقنا «رغماً عنا»، أو كما لو أننا أصبحنا «لعبة» من دون إرادة منا بيد الهاتف الذكي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/55vzpthk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"