عادي

تعرف إلى سيكولوجية الجماهير

21:34 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

عندما ظهرت الجماهير على سطح المسرح الأوروبي كحقيقة واقعة وضخمة، وهددت النظام الاجتماعي القائم، حاول الباحثون والمفكرون أن يفهموها ويدرسوها، وقد تبلورت ثلاثة أجوبة أساسية عن ذلك، أولاً: الجماهير هي عبارة عن تراكم من الأفراد المتجمعين بشكل مؤقت على هامش المؤسسات وضد المؤسسات القائمة، بمعنى آخر فإن الجماهير مؤلفة من أشخاص هامشيين، وهكذا نجد أن الجمهور يتطابق بحسب هذه النظرة مع «الرعاع» و«السوقة» و«الأوباش» لأنهم رجال ونساء بدون عمل محدد.

تتلخص الإجابة الثانية - كما يكشف عنها كتاب «غوستاف لوبون» وعنوانه «سيكولوجية الجماهير» (ترجمه إلى العربية إكرام صغيري) - في أن الجماهير مجنونة بطبيعتها، فالجماهير تصفق بحماسة شديدة لمطربها المفضل أو لفريق كرة القدم الذي تؤيده، تعيش لحظة هلوسة وجنون، والجماهير التي تصطف على جانبي الطريق ساعات وساعات، لكي تشهد من بعيد مرور شخصية مشهورة للحظات خاطفة هي مجنونة، والجماهير التي تهجم على شخص من دون أن تتأكد من أنه هو المذنب هي مجنونة فعلاً، وهذه الأعمال المتطرفة التي تقوم بها الجماهير ما هي إلا ضرب من أعمال الجنون التي تغذي المشاعر الغامضة، وتكشف عن الجانب السري والمظلم من الطبيعة البشرية.

أما الجواب الثالث فيمشي خطوة أخرى في اتجاه التهجم على الجماهير ويقول إنها مجرمة، فهي بما أنها مؤلفة من الرعاع أي من الرجال الغاضبين والحاقدين فإنها تهجم وتقتل وتسلب كل شيء، إنها تجسد العنف الهائج من دون أي سبب أو مبرر واضح، وهي تعصى السلطات القائمة وتخرج على القانون.

*ظاهرة

في نهاية القرن التاسع عشر تزايد عدد الجماهير في أوروبا وراحت أعمالها المباغتة تخيف السلطات، فراح المفكرون الفرنسيون والإيطاليون يتحدثون عن ظاهرة «الجماهير المجرمة» أي الذين يهددون طمأنينة المواطنين وسلامتهم، وكان الباحثون الإيطاليون هم أول من تحدث عن وجود ظاهرة «الجماهير المجرمة»، وهكذا أصبحت الدراسة العلمية للجماهير تمر من خلال «علم القانون الجرائمي».

تكمن أهمية لوبون في أنه رفض هذه الأجوبة الثلاثة، واقترح خطاً جديداً لتفسير ظاهرة الجماهير وللرد على السؤال: ما هو الجمهور؟ كان جوابه يتلخص على النحو الآتي: الميزة الأساسية للجمهور هي انصهار أفراده في روح واحدة وعاطفة مشتركة، تقضي على التمايزات الشخصية، وهو يشبه ذلك بالمركب الكيماوي الناتج عن صهر عدة عناصر مختلفة، فهي تذوب وتفقد خصائصها الأولى نتيجة التفاعل ومن أجل تركيب المركب الجديد.

ينهض لوبون بشدة ضد آراء الباحثين الإيطاليين والفرنسيين، والقائلين بأن الجماهير مجرمة بطبيعتها، ويقول إنها ليست مجرمة وليست فاضلة، فقد تكون مجرمة أو كريمة، وبالتالي فالفكرة الشائعة عن الجماهير بأنها فقط مدمرة، وتحب السلب والنهب، هي فكرة خاطئة.

يمكن تلخيص نظرية لوبون حول نفسية الجماهير في الاكتشافات الثلاثة الآتية: إن الجماهير ظاهرة اجتماعية، وعملية التحريض هي التي تفسر انحلال الأفراد في الجمهور وذوبانهم فيه، كما أن القائد المحرك يمارس عملية تنويم مغناطيسي على الجماهير تماماً كما يمارسه الطبيب على المريض.

*مبادئ

يترتب على هذه الاكتشافات المبادئ العلمية الآتية: إن الجمهور النفسي يختلف عن التجمع العادي أو العفوي للبشر في ساحة عامة مثلاً، أو على موقف باص، فالجمهور النفسي يمتلك وحدة ذهنية على عكس هذه التجمعات غير المقصودة، كما أن الفرد يتحرك بشكل واع ومقصود، أما الجمهور فيتحرك بشكل غير واع، ذلك أن الوعي فردي تحديداً، أما اللاوعي فهو جماعي.

الجماهير محافظة بطبيعتها على الرغم من تظاهراتها الثورية، فهي تعيد في نهاية المطاف ما كانت قد دمرته، ذلك أن الماضي أقوى لديها من الحاضر بكثير، تماماً كما أي شخص منوم، إن الجماهير مهما تكن ثقافتها أو عقيدتها أو مكانتها الاجتماعية هي في حاجة إلى أن تخضع لقيادة محرك، وهو لا يقنعها بالمحاجات العقلانية والمنطقية، وإنما يفرض نفسه عليها بواسطة القوة، كما أنه يجذبها ويسحرها بواسطة هيبته الشخصية تماماً كما يفعل الطبيب الذي ينوم المريض مغناطيسياً.

يرى لوبون أن الجماهير لا تقتنع إلا بالصور الإيحائية والشعارات الحماسية والأوامر المفروضة من فوق، وهذا لا يعني أنه يقترح طريقة للتلاعب بعقول الجماهير، من أجل قيادتها، كما نشاء، فهذا مناقض لمقصده ولمعطيات العلم، والواقع أنه لا يمكن إقناع الجمهور بفكرة ما أو بعقيدة ما، إذا لم نكن مقتنعين بها سلفاً، حتى درجة الهوس، لكنه يعتقد أنه لا يمكن التوجه إلى الجماهير بشكل مختلف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/ycynw23y

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"