نحو لغويّين تجديديّين

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

هل وقع القلم في دوّامة الانجرافات اللغوية؟ قد يكون التعبير الأدق، هو أن علماء العربية الأفاضل، أخذوا علوم العربية على أنها حقائق مسلّمة، مثلما هي قوانين الفيزياء في الكون، التي لم تتغير منذ الانفجار العظيم، وإنما يتغيّر فهم الناس لها ويتطوّر. لا يتساءل اللغويون اليوم: بماذا يمتاز نحاة البصرة والكوفة علينا؟ خلافاتهم برهان على أن النحو من ألفه إلى يائه أمور نسبيّة وآراء غير نهائية، فالخوض فيها واختبار غثها وسمينها، وتنقيتها من الشوائب والزوائد، ضرورة حيوية على الدوم. المنطلق السليم بخطة عمليّة، هو اصطفاء نخبة من علماء اللغة، من كل الأقطار العربية، يكونون، معذرة، «ثوريين»، غير تقليديين ولا يقولون: إنّا وجدنا النحاة القدامى على ثوابت وإنّا على آثارهم سائرون. من هنا تكون بداية التصفيات. سبقت للقلم الإشارة إلى أن من أمّهات المعارك التي على تلك الصفوة خوضها: تداخل النحو والبلاغة. لا بدّ من المحسوس الملموس ليدرك القارئ الكريم طبيعة الإشكاليات. في كتاب «أسرار البلاغة» لعبد القاهر الجرجاني، (طبعة المدني ص 545) نصّاً: «أن المضاف إليه يكتسي إعراب المضاف في نحو قوله تعالى: «واسأل القريةَ»، فالأصل: «واسأل أهل القريةِ»، والنصب فيها مجاز»!! اختبار هذا المشهد بمنظار المنطق المقارن، بالغ الخطورة. مثلاً: قانون المرور يقضي بأنه إذا صدم أحد سيارتك من الخلف، فهو المقصّر المسؤول. لكن، تتدخّل البلاغة لتلعب دور القانون المجازي (أي الافتراضي)، فنقول: إن النظر إلى المشهد في الاتجاه المعاكس، يجعل المركبة الصادمة هي المصدومة. عجباً للنحاة يتدخّلون في ما لا يعنيهم. القرية في النص القرآني مفعول منصوب، فما هذا الفضول في إعرابها طبقاً للمعنى البلاغي؟ التفسير البلاغي شيء، والوظيفة النحويّة شيء آخر.

مسكين الطالب في هذه المتاهات، فعليه أن يقتنع بتداخل النحو والبلاغة، والتسليم بأن المفعول به المنصوب يصير مضافاً إليه مجروراً. ما شأننا وبطاقة الهوية التي يحملها المفعول، إنساناً كان أو جماداً؟ على المجدّدين أن يفحصوا كتب اللغة، من الابتدائية إلى الثانوية العامّة، لتخليص المناهج ممّا يعسّر تعلّم الطالب لغته. تداخل النحو والبلاغة مشكلة فكرية ونفسيّة عويصة. مثلاً: في وظائف الواو، واو العطف، الحال، المعيّة، إلى واو ثمانية من الآية الكريمة: «ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم» (الكهف 22)، ما هو ردّ الأستاذ إذا الطالب سأل: ما المترتّب على واو ثمانية؟ اللغويون الجدد قادرون على رسم الحدود بين النحو والبلاغة.

لزوم ما يلزم: النتيجة التمييزية: على اللغويين التحديثيين إعطاء ما للنحو للنحو، وما للبلاغة للبلاغة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4apm54cn

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"