العرب وثقافة الفعل

01:07 صباحا
قراءة دقيقتين

هل للتحوّلات العالميّة المقبلة، بين عشيّة وضحاها، آثار في الثقافة العربيّة؟ هذا السؤال أخفّ وطأة من معادله: هل فكّر المثقفون العرب في الانعكاسات الجيوسياسية والجيوستراتيجية الدولية، على الثقافة العربية في مقبل الأيّام؟ بعبارة أخرى: ما هي معالم النموذج الفكري الذي سيواجهه المثقفون العرب لا محالة، سواءً تأقلموا معه أم جرفتهم سيول الأقوياء، جرّاء تيّارات غلبة الأقوياء، مثلما حدث في القرنين الماضيين؟

الحديث عن التأقلم أو الانجراف، كأنما يُضمر نبرة إحباط، لأنه يتجاهل الاستعداد الفاعل وفرض الوجود بالإرادة والتصميم. المسألة لا تعني السلبية الاستسلامية، بقدر ما هي اعتراف بمحدودية الحضور العربي العام المشترك. لكن بواقعيّة، مع عدم فقدان الأمل في عودة الروح، اسأل أيّ مثقف عارف: ما هي ملامح ثقافة الفعل العربية، خارج البوتقة التقليدية: الانشغال بالشعر، القصة، المسرح، التشكيل، الأغنية..؟ لماذا العالم العربي زاهد في ربط الثقافة بالجغرافيا السياسية والاستراتيجية، في حين أن بلدوزيرات الميدانين، تدك أساسات البلدان المادية والمعنوية، وتستأصل جذور الهوية والثقافة؟ هل يُعقل أن يكون مصير الأوطان، تراباً وسيادةً وشعوباً، منفصلاً عن جوهر الثقافة ومحورها؟

عندما نستعرض أسباب اللامبالاة في إدراك المباني الحقيقية للثقافة، وعلاقتها العضوية بالحياة العامّة، لا يستبعد الذهن أن يكون مكمن العلّة في تصوّر المثقفين العرب، في حقب وظروف معيّنة، أن مكوّنات الثقافة تنحصر في إبداعات فردية في مجالات محدّدة، كالقصيدة، الرواية، المسرحية، اللوحة، الأغنية... إذْ لا شركاء للمبدعين فيها. كل ما يقع خارج هذه الدوائر، لا علاقة له بالثقافة، من منظور ذلك الوهم. على مراكز البحوث والدراسات أن تتولّى التحقيق في شأن تلك الحقب والظروف. لكن الغريب هو أن المثقفين سيكتشفون أن تلك الفصول القاتمة، اتسمت في أغلبية الأحيان بأن مقومات الثقافة والهويّة تلقّت ضربات قاسيةً فخارت القوى، لأن الإرادة الثقافية لم تُبرمَج على الشحن الذاتي بعد كل كبوة أو فاجعة.

تلك النظرة الضيّقة إلى الثقافة، التي أدّت إلى عزلها عن شرايين الحياة العامّة، كبّلتها بالسلوكيات الاستهلاكية للمنتجات الثقافية المستوردة من الغرب القوي، والمبرّرات الحمقاء هي أنه هو الذي يستعمر، يغزو، يحتل، يدمّر، والعربي يأخذ عنه أسوأ ما لديه من كل رديء وضارّ وهزيل. يأخذ منّا من الثروات اللباب، ويلقي لنا بالقشور.

لزوم ما يلزم: النتيجة الإرجائية: كأن القلم خرج ولم يعد، لكنه مجرّد تأجيل للاستعدادات الثقافية للنظام العالمي المأمول. ابن خلدون أستاذ سيّىء في إطالة المقدّمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2ab3vnrp

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"