مسافات بين مفاهيم الثقافة

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل من المألوف في العالم العربي، الحديث عن الاستعدادات الثقافيّة للنظام العالمي المقبل؟ في العربية، المضارع يعني الحاضر والمستقبل، لكن، في العقل العربي، تلوح الأمور مختلفة، فلأمر ما تشبّث القوم بالحاضر، وتجاهلوا المستقبل، إلاّ من رحم ربّك.

خلافاً لأمثلة كثيرة، لك أن تختار منها مثلاً، أن البرازيل وجمهورية جنوب إفريقيا، تسلكان مسالك لم تعد تؤدي إلى الإمبراطورية ككلّ الطرق إلى روما قديماً، فهذه دروب بدايتها ومنتهى مطافها في النظام العالمي الجديد. ثمّة من أراد تبسيط القضايا، قال إن رئيس جنوب إفريقيا «رامافوزا» من خلال مواقفه: «رامَ فَوْزاً».

سؤال الوزن الثقيل هو: كيف يمكن تخليص الثقافة العربية من عبء النظرة الماضوية، حتى يتسنّى الاستعداد للنظام العالمي الجديد؟

المأساة الملهاة العربية، هي الدفاع الهجومي فوراً بالاستفهام: ما دخل الثقافة في هذه الشؤون الدولية المعقّدة؟ ما شأن الشعر والقصة والرسم والنحت والموسيقى، بهذه الساحات التي كلها نزاعات وصراعات؟ المشكلة هي أن الثقافة العربية، ولا عاش من يرميها بانخفاض منسوب الوعي، لا تعي أن كل المصائب التي حصدت بلداناً عربيةً عدّةً، إنما هي من نسج مثقفين مثل برنارد لويس وبرنار هنري ليفي، وصانعي المخططات الاستراتيجية الكبرى في الأمن القومي، من مستوى زبغنيو برجنسكي وهنري كيسنجر.

الدكتور برنارد لويس علاّمة لغات: إنجليزية، عربيّة، عبريّة، آراميّة، يونانيّة، لاتينيّة، فارسيّة، تركية، غير أن هذا العشق الجارف للغات، جرفه إلى جنون العبث بالخرائط، فعمد إلى رسم تصوراته التمزيقية لجغرافيا البلدان والأقاليم: شبه الجزيرة العربية بدءاً من سوريا، العراق، المملكة العربية السعودية، ثم تركيا، إيران، أفغانستان وباكستان. الأستاذ اقتدى بالرسمين المشهورين في عمليات التجميل، وزرع الشعر وابتسامة هوليوود: «قبل.. بعد»، فنشر قبل سنين طويلة في المجلة الأمريكيّة، السياسة الخارجيّة «فورين بوليسي» خريطتين لكل تلك المناطق، قبل تقسيمها وبعده. كأنما البلدان وشعوبها إرث السيد والد المستشرق! ألم يقسّموا كعكة العراق إلى ثلاث قطع، وكذلك ليبيا؟

السؤال الذي نرجو أن يحظى بلفتة كريمة من الثقافة العربية، وعلى المثقفين العرب ألاّ يكلّفوا أنفسهم فوق وضع أرجلهم في الماء: لماذا تختلف نظرة الإمبراطورية إلى الثقافة، فمثقفوها يرون أن تمزيق الخرائط أهمّ من تقطيع بحور الشعر؟

لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: أليس برنارد لويس أقرب إلى المتنبي: «أعلى الممالك ما يُبنى على الأسلِ»؟ وإلى أبي تمام: «بيض الصفائح لا سود الصحائف؟»

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/y6x933zs

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"