نقطة ضوء إضافية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

كان سقراط يعلّم تلاميذه عبر تبادل الحوار والأحاديث فتتفجر الأفكار وتتغذى العقول، وفي أحد الأيام دخل عليهم أحدهم وهو يتبختر كمن يزهو ويتباهى بوسامته، فقال له سقراط جملته الشهيرة: «تكلّم حتى أراك».

الكلمة مرآة النفوس، تعكس خباياها وتحكي ما يجول في خواطر البشر فتكشف المعادن والنوايا، وتصل في عمق تأثيرها إلى تشكيل طبيعة العلاقات بين الناس، فإما أن تُقرّب المسافات وإما أن تتسبب في فجوات وصراعات بل تصل إلى إشعال فتنة وحرب بين البشر، وما من تطور للدول وتعاون بين الشعوب ومستقبل للبشرية يمكن أن يتحقق بلا حوار وتواصل وتبادل أفكار وتبادل ثقافات وإيجاد لغة إنسانية مشتركة بين الجميع. انطلاق المؤتمر الدولي لحوار الحضارات والتسامح في أبوظبي أمس، هو نقطة ضوء يراد منها التذكير بأهمية تبادل الأفكار ووجهات النظر بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب، وأهمية احترام الآخر بكل ما لديه من اختلاف في التقاليد والديانات والأعراق.. فإذا توصل العالم إلى الإيمان المطلق بأن في الاختلاف تكامل لا تنافر، قد يتحقق السلام ويعم كل الدول.

لطالما عملت الإمارات من أجل إطلاق المبادرات والندوات والمؤتمرات بهدف نشر التسامح والتعايش في العالم، خصوصاً أننا في زمن بات إشعال الفتن فيه أسهل وأسرع من إطلاق الرصاص، والحروب ملتهبة ليس فقط داخل بعض الدول، بل هي أكثر انتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي وتجرف معها ملايين البشر، ويتأثر بها ملايين المتابعين الجاهلين لأبعاد ما تجرفهم إليه تلك الفتن والصراعات.

حين قالوا إن تطور التكنولوجيا جعلنا نعيش في عالم واحد وانتشر شعار «العالم قرية صغيرة»، حسبنا أننا سننعم برخاء الانفتاح وتقبّل الآخر كما هو، وأن العالم سيخلق لغة حوار جديدة أساسها التفاهم وحوار العقل ونبذ العنصرية والتمييز والازدراء بالديانة والتمسك بالقيم الإنسانية وبحق العيش بسلام وكرامة وأمان لكل البشر.. لكننا فوجئنا بأن الحوار افتراضي وأننا أصبحنا وسائل يتم استخدامها لإشعال حروب على السوشيال ميديا ونشر المزيد من الفكر العنصري والشائعات.. وفوجئنا بأن مساحة حوار الفكر والحضارة وتقبّل الآخر تضيق، والداعون إلى السلام والتوافق قلّة، لكن هذه القلّة تستطيع فعل الكثير إذا ترافقت النوايا بالأعمال وترافقت الخطط بالتنفيذ وتطبيق ما ينتج عن كل مؤتمر ونقاش وحوار على الأرض فعلياً.

مؤتمر حوار الحضارات هو بمثابة نقطة ضوء إضافية، قادرة على الانتشار بكل ما تحمله من نقاط وبنود مهمة لتشمل العالم كله، إذا امتدّت كل الأيادي للمساهمة في فتح أبواب الدول والمجتمعات أمامها، ويصير الحوار حوار عقول يطغى فيه الوعي وتتراجع الضغينة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3cwbz3zy

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"