هدنة الضرورة الإنسانية

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

بين مد وجزر وتفاؤل وإحباط تراوح مفاوضات الهدنة الجديدة في غزة مكانها، فبعد إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن أن وقف إطلاق النار سيتم هذا الاثنين الرابع من مارس، تبين لاحقاً أن الموعد غير دقيق، وأعرب عن تفاؤله بأن يتم الأمر قبل دخول شهر رمضان الأسبوع المقبل، بينما يأمل الفلسطينيون والوسطاء إبرام الاتفاق قريباً، أما إسرائيل فمنقسمة بين تيار يطالب بهدنة واستعادة الرهائن، وزمرة متطرفة لم تعد ترى لنفسها وجوداً خارج هذه الحرب.

الأنباء الآتية من القاهرة تشير إلى اتفاق على استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار، بما يتضمن تفاصيل الهدنة وقائمات المفرج عنهم من الأسرى والمختطفين والترتيبات الأمنية بإدخال المساعدات وتوزيعها وعودة المهجرين من ديارهم في قطاع غزة. كل هذه المؤشرات تبعث على التفاؤل، لكن غموض الموقف الإسرائيلي وتناقضاته، يهدد بنسف كل الآمال، بسبب ضعف الضغط الدولي، والغربي منه بالأساس، على حكومة تل أبيب لتستجيب لدعوات إنهاء هذه الكارثة الكبرى.

ومن المفارقات العجيبة أن تعرب الإدارة الأمريكية عن «أملها» في أن يتوقف إطلاق النار قريباً، وتقول إن ما يحدث للمدنيين من قتل وتجويع يجب ألا يستمر، لكن هذه الإدارة تمتنع عن ممارسة أي ضغط حقيقي على حلفائها في تل أبيب، ومنعت مجلس الأمن من إصدار قرار غير ملزم بشأن مذبحة الجياع الأخيرة في شمال القطاع يحمّل فيه المجلس إسرائيل مسؤولية هذه المجزرة. أما الموقف الأوروبي فلا يقل ازدواجية عن نظيره الأمريكي، لولا أنه يبالغ في التلاعب بالألفاظ المتعاطفة مع الفلسطينيين، دون أن يجرؤ على اتخاذ خطوة وحيدة عملية يمكن أن تقنع بأن الدول الأوروبية صادقة في كل ما تقوله بياناتها، ومستعدة لمحاسبة إسرائيل، إن استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

الهدنة المنتظرة في غزة، ليست منة من إسرائيل وحلفائها، بل ضرورة إنسانية لا بد منها، فالوضع الكارثي لم يعد قابلاً للاحتمال، وصور الأطفال الجوعى وهم يأكلون الأعشاب بعد أن فقدوا كل شيء، لا يقبلها مخلوق على وجه الأرض، ومشاهد الناس، من نساء ورجال وأيتام ومسنين، وهم يشرئبون بعيونهم إلى السماء انتظاراً للمساعدات النازلة بالمظلات لا تليق بآدمي. أما التدمير الذي طال المساكن والمرافق، فقد تجاوز حدود الوحشية وانعدام الأخلاق، وهو ما أظهرته هذه الحرب التي تصمم إسرائيل على استكمالها، دون أن يكون لها هدف غير إبادة الفلسطينيين وإعدام كل نبض للحياة في قطاغ غزة.

يأمل أصحاب الخير والضمائر الحية أن تسفر هذه المفاوضات، التي تنتقل من عاصمة إلى أخرى، عن إنهاء تام لهذه الحرب وليس هدنة مؤقتة، تسمح لإسرائيل بالتقاط أنفاسها ولحلفائها حفظ ماء وجوههم، ويجري تصوير ذلك على أنه «أداء للواجب»، بينما الواقع يفرض أن تتم محاسبة كل من سفك كل هذه الدماء الطاهرة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين وملاحقته باسم العدالة والقانون والإنسانية، وذلك ما لا يبدو ممكناً في الواقع، لأن المتحكمين بهذا العالم لا يكيلون بمكيالين فحسب، بل يقتلون الضحية ويتباكون مع القاتل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mveh6cx6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"