تعقيدات تبسيط القواعد

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تستطيع أن تحمل هذا الموضوع على محمل الجدّ؟ هذه المرّة سنمزج لغة التراث بتراث اللغة، والله المستعان. أمس، جرى الحديث عن «تبسيط تعقيدات التبسيط»، لكن القلم فوجئ بالاستدراك، إذ يبدو أنه لم يتأمّل مليّاً كل جوانب «تعقيدات تبسيط القواعد»، فهذا هو العنوان المناسب.

بإيجاز، الفئات المستنيرة، وطلاّب الثانوية والجامعة، وهم جميعاً أهل عصر ما قبل التبسيط، عصر تدريس تعقيدات النحو والصرف، ومع ذلك يجدون ألف صعوبة في استيعاب لغة التراث وتراث اللغة، فكيف يكون تعامل أجيال عصر تبسيط التعقيدات النحوية والصرفية مع الميراث؟ بديهي أن يزداد عسر فهم المقاصد في تاريخ الأدب وغيره من النصوص. لا حديث هنا عن أشدّ المعقّد تعقيداً، شأن «رسالة الغفران»، فقد كان أمل عميد الأدب العربي طه حسين، أن يشرح رائعة أبي العلاء، فحملت الوزر عنه تلميذته الدكتورة عائشة عبدالرحمن، بنت الشاطئ.

لا مفرّ من الوقوع في المقولة الفرنسية الطريفة: «الأمور بسيطة، فلمَ لا نعقّدها». لا ينبغي لعاقل أن يشك في ضرورة التبسيط، لكون القواعد المقررة في المناهج، لا تزال تعاني ألغاز اللغة النحوية والصرفية المستخدمة في الكتب القديمة ومتونها وحواشيها وهوامشها، والحواشي التي على الهوامش، والهوامش التي على الحواشي. لم يكن القدامى يمزحون، عندما يؤلف أحدهم كتاباً في النحو، فيهبّ آخر لشرحه، وثالث لكتابة هامش على حاشيته، ورابع لتحبير المستدرك عليهم جميعاً.

هبِ التبسيط تحقق، والتعقيدات زالت، والمواقف المتشددة لانت، فإن العربية ستواجه مشكلات لم تعرفها في تاريخها. ستتعمق الهوّة بين الأجيال المقبلة وميراثها الثقافي. هنا ستتعالى الأصوات، التي كانت من قبل عباس محمود العقاد، وبعده، تحتجّ بأن التبسيط سيحول دون فهم العرب قرآنهم. لكن هذه الاعتراضات لا يسندها أيّ برهان علمي، فالتبسيط لم يتجسّد حتى نرى آثاره، فكيف استدلوا على الآثار قبل وجودها؟ قال القلم: وهل العربي يفهم كل العربية بيسر؟ أتحدّى أن يوجد في الأربعمئة مليون اثنان يفهمان قول لبيد: «بأجزّةِ الثَّلَبوت يربأ فوقها.. قفرَ المراقب خوفُها آرامُها». ثم: كيف كانت الإنجليزية قبل شكسبير وآدم سميث، الاقتصادي الذي دعا إلى تبسيط قواعدها؟ وكيف كانت الفرنسية قبل رابليه، دوبيلله، مونتانيو وديكارت؟ لا بدّ من قبول تبعات التطور الذي يقضي به التبسيط.

لزوم ما يلزم: النتيجة القياسيّة: تطوير الدساتير يوكل إلى أعلم الخبراء بالقانون، فليوكل تبسيط القواعد إلى أعلم اللغويين بأصول التشريع اللغوي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc852f7b

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"